قوله تعالى:{ما أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لِتَشْقَى 2} .
في قوله تعالى:{ما أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لِتَشْقَى 2} وجهان من التفسير ،وكلاهما يشهد له قرآن:
الأولأن المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ؛أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ؛
وتحسرك على أن يؤمنوا .وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة ،كقوله تعالى:{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} الآية ،وقوله تعالى{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً 6} وقوله{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ 3} .والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً ،وقد قدمنا كثيراً منها في مواضع من هذا الكتاب المبارك .
الوجه الثانيأنه صلى الله عليه وسلم صلى بالليل حتى تورَّمتْ قدماه ،فأنزل الله{ما أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لِتَشْقَى 2} أي تنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة ؛وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة .وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله ،كقوله:{وَما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ،وقوله{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ويفهم من قوله:{لِتَشْقَى} أنه أُنزل عليه ليسعد ؛كما يدل له الحديث الصحيح: «مَن يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين » وقد روي الطبراني عن ثعلبة بن الحكم رضي الله عنه ،عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أن الله يقول للعلماء يوم القيامة: «إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أُبالي » وقال ابن كثير: إن إسناده جيد ،ويشبه معنى الآية على هذا القول الأخير قوله تعالى:{فَاقْرَءُواْ ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ} الآية .وأصل الشقاء في لغة العرب: العناء والتعب ،ومنه قول أبي الطيب:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومنه قوله تعالى:{فَلاَ يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى 117} .