قوله تعالى:{وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية: وقال ابن مسعود ،وابن عباس ،وأبو هريرة ،وأنس بن مالك رضي اللَّه عنهم ،وعطاء ،وسعيد بن جبير ،وعكرمة ،ومجاهد ،وإبراهيم النخعي ،وأبو وائل ،وأبو صالح ،ومحمد بن كعب ،وزيد بن أسلم ،والزهري ،والسدي ،والضحاك ،والحسن ،وقتادة ،وابن زيد ،في قوله تعالى:{وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ} ،يعني: الشرك .
وهذه الآية الكريمة تضمّنت أمرين:
الأول: أن من جاء ربّه يوم القيامة بالسيئة كالشرك يكبّ وجهه في النار .
والثاني: أن السيّئة إنما تجزى بمثلها من غير زيادة ،وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذا الموضع ؛كقوله تعالى في الأوّل منهما:{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} [ طه: 74] ،وكقوله تعالى في الثاني منهما:{وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}[ الأنعام: 160] الآية ،وقوله تعالى:{وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[ القصص: 84] ،وقوله تعالى:{جَزَاء وِفَاقاً} [ النبأ: 26] .
وإذا علمت أن السيئات لا تضاعف ،فاعلم أن السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان ؛كقوله تعالى:{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الحج: 25] ،أو حرمة الزمان ؛كقوله تعالى في الأشهر الحرام:{فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [ التوبة: 36] .
وقد دلَّت آيات من كتاب اللَّه أن العذاب يعظم بسبب عظم الإنسان المخالف ؛كقوله تعالى في نبيّنا صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [ الإسراء: 74-75] ،وقوله تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [ الحاقة: 44-46] ،وكقوله تعالى في أزواجه صلى الله عليه وسلم:{عَظِيماً يا نِسَاء النَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [ الأحزاب: 30]الآية ،وقد قدّمنا طرفًا من الكلام على هذا ،في الكلام على قوله تعالى:{إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [ الإسراء: 75] ،مع تفسير الآية ،ومضاعفة السيّئة المشار إليها في هاتين الآيتين ،إن كانت بسبب عظم الذنب ،حتى صار في عظمه كذنبين ،فلا إشكال ،وإن كانت مضاعفة جزاء السيّئة كانت هاتان الآيتان مخصّصتين للآيات المصرّحة ،بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها ،والجميع محتمل ،والعلم عند اللَّه تعالى .