قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرض} .الينابيع: جمع ينبوع ،وهو الماء الكثير .
وقوله:{ فسلكه} أي أدخله ،كما قدمنا إيضاحه بشواهده العربية ،والآيات القرآنية في سورة هود ،في الكلام على قوله تعالى:{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [ هود: 40] .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من سورة الزمر ،قد أوضحناه في أول سورة سبأ في الكلام على قوله تعالى:{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [ سبأ: 2] الآية .قوله تعالى:{ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} .
قد قدمنا الكلام على ما يماثله من الآيات في سورة الروم في الكلام على قوله تعالى:{وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [ الروم: 22] وأحلنا عليه في سورة فاطر ،في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} [ فاطر: 27] الآية .
قوله تعالى:{ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولى الألباب}:
قوله ثم يهيج: أي ثم بعد نضارة ذلك الزرع وخضرته ييبس ،ويتم جفافه ويثور من منابته فتراه أيها الناظر مصفراً يابساً ،قد زالت خضرته ونضارته .ثم يجعله حطاماً أي فتاتاً ،متكسراً ،هشيماً ،تذروه الرياح ،إن في ذلك المذكور من حالات ذلك الزرع ،المختلف الألوان ،لذكري أي عبرة وموعظة وتذكيراً لأولي الألباب ،أي لأصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال ،فقد ذكر جل وعلا مصير هذا الزرع على سبيل الموعظة والتذكير ،وبين في موضع آخر ،أن ما وعظ به خلقه هنا من حالات هذا الزرع شبيه أيضاً بالدنيا .فوعظ به في موضع وشبه به حالة الدنيا في موضع آخر ،وذلك في قوله تعالى في سورة الحديد{اعْلَمُواْ أَنَّمَا الحياة الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأموال والأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [ الحديد: 20] .ويبين في سورة الروم أن من أسباب اصفراره المذكور إرسال الريح عليه ،وذلك في قوله:{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} [ الروم: 125] .