قوله تعالى:{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} .
في هذه الآية الكريمة إشكال معروف ،ووجهه أن قول الكفار الذي ذكره الله عنهم هنا ،أعني قوله تعالى{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [ الزخرف: 20] ،هو بالنظر إلى ظاهره كلام صحيح ،لأن الله لو شاء أن يعبدوهم ما عبدوهم ،كما قال تعالى{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ} [ الأنعام: 107] ،وقال تعالى:{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [ الأنعام: 35] ،وقال تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [ السجدة: 13] الآية .وقال تعالى:{فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [ الأنعام: 149] ،وقال تعالى:{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن في الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [ يونس: 99] .
وهذا الإشكال المذكور في آية الزخرف هو بعينه واقع في آية الأنعام ،وآية النحل .
أما آية الأنعام فهي قوله:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَآؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شيء} [ 148] .
وأما آية النحل ،فهي قوله:{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شيء نَّحْنُ وَلا ءَابَاؤُنَا} الآية .
فإذا عرفت أن ظاهر آية الزخرف وآية الأنعام ،وآية النحل: أن ما قاله الكفار حق ،وأن الله لو شاء ما عبدوا من دونه من شيء ولا أشركوا به شيئاً ،كما ذكرنا في الآيات الموضحة قريباً .
فاعلم أن وجه الإشكال ،أن الله صرح بكذبهم في هذه الدعوى التي ظاهرها حق ،قال في آية الزخرف:{مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [ الزخرف: 20] أي يكذبون ،وقال في آية الأنعام{كَذالِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} [ الأنعام: 148] ،وقال في آية النحل{كَذالِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [ النحل: 35] .
ومعلوم أن الذي فعله الذين من قبلهم ،هو الكفر بالله والكذب على الله ،في جعل الشركاء له وأنه حرم ما لم يحرمه .
والجواب عن هذا أن مراد الكفار بقولهم{لَوْ شَآءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [ الزخرف: 20] وقولهم{لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا} [ الأنعام: 148] مرادهم به أن الله لما كان قادراً على منعهم من الشرك ،وهدايتهم إلى الإيمان ولم يمنعهم من الشرك .دل ذلك على أنه راض منهم بالشرك في زعمهم .
قالوا لأنه لو لم يكن راضياً به ،لصرفنا عنه ،فتكذيب الله لهم في الآيات المذكورة فنصب على دعواهم أنه راض به ،والله جل وعلا يكذب هذه الدعوى في الآيات المذكورة وفي قوله{وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [ الزمر: 7] .
فالكفار زعموا أن الإرادة الكونية القدرية ،تستلزم الرضى وهو زعم باطل ،وهو الذي كذبهم الله فيه من الآيات المذكورة .