وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي غفر لهم ذنوبهم وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحاً لا فساد معه ،وما ذكره جل وعلا هنا في أول هذه السورة الكريمة ،من أن يبطل أعمال الكافرين ،ويبقي أعمال المؤمنين جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخرة إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [ هود: 15 -16] .وقوله تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ في الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [ الشورى: 20] وقوله تعالى:{وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [ الفرقان: 24] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا مع بعض الأحاديث الصحيحة فيه ،مع زيادة إيضاح مهمة في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَائِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [ الإسراء: 19] .وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [ النحل: 97] الآية ،وذكرنا طرفاً منه في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [ الأحقاف: 20] الآية .
/خ2
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قد قدمنا إيضاحه في أول سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى{وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} [ الكهف: 2] الآية ،وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [ النحل: 97] الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} .
قال فيه ابن كثير: هو عطف خاص على عام ،وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان ،بعد بعثته صلى الله عليه وسلم .ا ه منه .
ويدل لذلك قوله تعالى:{وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ في مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [ هود: 17] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة{وَهُوَ الْحَقُّ} جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبي الكريم ،صلى الله عليه وسلم هو الحق من الله ،كما قال تعالى:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} [ الأنعام: 66] ،قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [ الحاقة: 50 -51] .وقال تعالى:{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يهتدي لِنَفْسِهِ} [ يونس: 108] وقال تعالى:{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ} [ النساء: 170] الآية ،والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .