قوله تعالى:{وَكَذالِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا} الآية .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جعل في كل قرية أكابر المجرمين منها ليمكروا فيها ،ولم يبين المراد بالأكابر هنا ،ولا كيفية مكرهم ،وبين جميع ذلك في مواضع أخر: فبين أن مجرميها الأكابر هم أهل الترف ،والنعمة في الدنيا ،بقوله:{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [ سبأ: 34] ،وقوله:{وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [ الزخرف: 23] .ونحو ذلك من الآيات .
وبين أن مكر الأكابر المذكور: هو أمرهم بالكفر بالله تعالى ،وجعل الأنداد له بقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الليل وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} [ سبأ: 33] ،وقوله:{وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّارا ًوَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ} [ نوح: 22 – 23] .
وأظهر أوجه الإعراب المذكورة في الآية عندي اثنان:
أحدهما: أن «أكابر » مضاف إلى «مجرميها » وهو المفعول الأول لجعل التي بمعنى صير ،والمفعول الثاني هو الجار والمجرور ،أعني في كل قرية .
والثاني: أن «مجرميها » مفعول أول .و«أَكَابِرَ » مفعول ثان ،أي جعلنا مجرميها أكابرها ،والأكابر جمع الأكبر .