قوله تعالى:{فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} .
قال رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: الاعتراف الإقرار ،أي أقروا بذنبهم يوم القيامة حيث لا ينفع الإقرار والندم ،وتقدم له رحمة الله تعالى علينا وعليه ،بيان انتفاع الكفار بإقرارهم هذا بتوسع عند قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [ الأعراف: 53] .
واستدل بهذه الآية ،آية الملك هناك .
والظاهر أن الأصل في ذلك كله ،أن اعترافهم وإيمانهم بعد فوات الأوان بالمعاينة ،كما جاء في حق فرعون في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [ يونس: 90] ،فقيل له:{الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [ يونس: 91] .
وجاء أصرح ما يكون في قوله:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [ الأنعام: 158] .
فلما جاء بعض آيات الله وظهر الحق ،لم يكن للإيمان محل بعد المعاينة{لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} أي من قبل المعاينة كحالة فرعون المذكورة ،لأن حقيقة الإيمان التصديق بالمغيبات ،فإذا عاينها لم تكن حينذاك غيباً ،فيفوت وقت الإيمان والعلم عند الله ،وعليه حديث التوبة: ما لم يغرغر .