قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} .
الطير صافات ،أي مادات أجنحتها .ويقبضن: أي يضممنها إلى أجسامها .
قال أبو حيان: عطف بالفعل ويقبضن على الاسم ،صافات ،ولم يعطف باسم قابضات ،لأن الأصل في الطيران هو بسط الجناح ،والقبض طارئ ،وهذا الذي قاله أبو حيان ،جار على القاعدة عندهم من أن الاسم للدوام والثبوت ،والفعل للتجدد والحدوث ،فالحركة الدائمة في الطيران هي صف الجناح ،والجديد عليه هو القبض .
وقوله تعالى:{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَانُ} دليل على قدرته تعالى وآية لخلقه ،كما في قوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [ النحل: 79] .
فهي آية على القدرة ،وقد جاء في آيات أخرى ،أنه تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض بقدرته جل وعلا ،كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [ فاطر: 41] .
فهو سبحانه ممسكهما بقدرته تعالى عن أن تزولا ،ولو قدر فرضاً زوالهما ،لا يقدر على إمساكهما إلا هو ،وكما في قوله:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [ الحج: 65] .
تنبيه:
ولعل مما يستدعي الانتباه ،توجيه النظر إلى الطير في الهواء صافات ويقبضن ،ما يمسكهن إلا الرحمان ،بعد التخويف بخسف الأرض ،بأنها معلقة في الهواء كتعلق الطير المشاهد إليكم ما يمسكها إلا الله ،وإيقاع الخسف بها ،كإسقاط الطير من الهواء ،لأن الجميع ما يمسكه إلا الله تعالى ،وهو القادر على الخسف بها ،وعلى إسقاط الطير .