التّفسير
انظروا إلى الطير فوقكم:
في الآيات الأولى لهذه السورة كان البحث عن قدرة الله سبحانه ومالكيته ،وعن السموات السبع والنجوم والكواكب ..ويستمرّ هذا اللون من الحديث في أوّل آيةمورد البحثوذلك بذكر مفردة أخرى من كائنات هذا الوجود ،والتي تبدو في ظاهرها صغيرة ويقول تعالى: ( أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ){[5364]} .
هذه الأجسام بالرغم من قانون الجاذبية الأرضية تنطلق من الأرض وتحلّق ساعات في السماء بكلّ راحة ،وأحياناً أيّاماً وأسابيع وشهوراً ،وتستمر بحركتها السريعة المرنة وبدون أي مشاكل .
فالبعض منها يفتح جناحيه عند الطيران ( صافات ) وكأنّ هنالك قوّة خفيّة تحرّكه ،والأخرى ترفرف بأجنحتها عند الطيران بصورة مستمرة وقد تكون ( يقبضن ) إشارة إلى هذا المعنى .
وتطير مجاميع أخرى بتحريك أجنحتها تارةً وفتحها أخرى .كما أنّ هنالك قسماً آخر يحرّك أجنحته لفترة عند الطيران ،وعندما يحقّق سرعة معيّنة يجمعها بصورة كلية ك ( العصفور ) .
وخلاصة القول: فإنّ الطيران واحد ،إلاّ أنّ صوره مختلفة ولكلّ طريقته وبرنامجه الخاصّ به .
فمن يا ترى خلق أجسام هذه الطيور بهذه الصورة التي جعلها تستطيع السير في الهواء بكلّ سهولة وراحة ؟.ومن ذا الذي وهبها هذه القدرة وعلّمها الطيران ،خصوصاً حالات الطيران الجماعي المعقد للطيور المهاجرة ،التي تستمرّأحياناًشهوراً عديدة ،وتقطع في رحلتها هذه آلاف الكيلومترات ،وتمرّ بأجواء بلدان كثيرة ،وتجتاز الجبال والوديان والغابات والبحار حتّى تصل إلى مقصدها ؟فمن يا ترى علم وأعطى هذه الطيور كلّ هذه القوّة ،وهذا الوعي والمعرفة ؟
لذا يقول في ختام الآية ( ما يمسكهنّ إلاّ الرحمن إنّه بكلّ شيء بصير ) .
إنّه الله تعالى الذي وضع باختيارها الوسائل والقوى والإمكانات المختلفة للطيران ،نعم ،إنّ الله الرحمن الذي شملت رحمته الواسعة جميع الكائنات ،وأعطى للطيور ما هو موضع حاجتها في الطيران ،وحافظ عليها في السماء ،هو بذاته المقدّسة يحفظ الأرض والكائنات الأخرى .وعندما يشاء غير ذلك فلن يكون عندئذ للطيور قدرة الطيران ولا للأرض حالة الهدوء والاستقرار .
التعبير ب ( الصافات ويقبضن ) لعلّه إشارة إلى طيور مختلفة أو لحالات متنوّعة من الطيران{[5365]} .
ولقد بحثنا بشكل تفصيلي عجائب عالم الطيور وغرائب مسألة الطيران في تفسير الآية ( 79 ) من سورة النحل .
/خ21