قوله تعالى:{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} .
بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر ،فأخرجه الله صاغراً حقيراً ذليلا ،متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة ،وذلك في قوله:{فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} ،والصغار: أشد الذل والهوان ،وقوله:{اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} [ الأعراف: 18] ،ونحو ذلك من الآيات ،ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة ،وإنما يحصل له نقيض ذلك ؛وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله:{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [ غافر: 56] .
وبين في مواضع أخر كثيراً من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبرأعاذنا الله والمسلمين منهفمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله ،والاهتداء بها كما في قوله تعالى:{سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [ الأعراف: 146] الآية .ومن ذلك أَنَه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [ الرمز: 60] ،وقوله:{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [ الصافات: 35] ،ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله:{لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [ النحل: 23] ،ومن ذلك أن موسى استعاذ من المتصف به ولا يستعاذ إلا مما هو شر .كما في قوله:{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [ غافر: 27] إلى غير ذلك من نتائجه السيئة ،وعواقبه الوخيمة ،ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية: أن المتواضع لله جل وعلا يرفعه الله .
وقد أشار تعالى إلى مكانة المتواضعين له عنده في مواضع أخر كقوله:{وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} [ الفرقان: 63] ،وقوله:{تِلْكَ الدَّارُ الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [ القصص: 83] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ،ولا يبغي أحد على أحد » ،وقد قال الشاعر:
تواضع تكن كالبدر تبصر وجهه *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى صفحات الجو وهو وضيع
وقال أبو الطيب المتنبي:
ولو لم يعل إلا ذو محل *** تعالى الجيش وانحط القتام