قوله تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} .
الضلال: يكون حساً ومعنى ،فالأول: كمن تاه في طريق يسلكه ،والثاني: كمن ترك الحق فلم يتبعه .
فقال قوم: المراد هنا هو الأول ،كأن قد ضل في شعب من شعاب مكة ،أو في طريقه إلى الشام .ونحو ذلك .
وقال آخرون: إنما هو عبارة عن عدم التعليم أولاً ثم منحه من العلم مما لم يكن يعلم ،كقوله:{مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ،بحث هذه المسألة في عدة مواضع: أولاً في سورة يوسف عند قوله تعالى:{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} ،وساق شواهد الضلال لغة هناك .
وثانياً: في سورة الكهف عند قوله تعالى:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
وثالثاً: في سورة الشعراء عند قوله تعالى:{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ} .
وفي دفع إيهام الاضطراب أيضاً: وهذا كله يعني عن أي بحث آخر .
ومن الطريف ما ذكره أبو حيان عند هذه الآية ،حيث قال: ولقد رأيت في النوم ،أني أفكر في هذه الجملة ،فأقول على الفور: ووجدك: أي وجد رهطك ضالاً فهداه بك ،ثم أقول: على حذف مضاف ،نحو:{واسأل القرية .ا ه .
وقد أورد النيسابوري هذا وجهاً في الآية ،وبهذه المناسبة أذكر منامين كنت رأيتهما ولم أرد ذكرهما حتى رأيت هذا لأبي حيان ،فاستأنست به لذكرهما ،وهما: الأول عندما وصلت إلى سورة ن عند قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ،ومن منهج الأضواء تفسير القرآن بالقرآن ،وهذا وصف مجمل ،وحديث عائشة"كان خُلقه القرآن "فأخذت في التفكير ،كيف أفصل هذا المعنى من القرآن ،وأبين حكمه وصفحه وصبره وكرمه وعطفه ورحمته ورأفته وجهاده وعبادته ،وكل ذلك مما جعلني أقف حائراً وأمكث عن الكتابة عدة أيام ،فرأيت الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في النوم ،كأننا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،وكأنه ليس في نشاطه العادي ،فسألته ماذا عندك اليوم ؟
فقال: عندي تفسير .
فقلت: أتدرس اليوم ؟قال: لا ،فقلت: وما هذا الذي بيدك ؟لدفتر في يده ،فقال: مذكرة تفسير ،أي التي كان سيفسرها وهي مخطوطة ،فقلت له: من أين في القرآن ؟فقال: من أول ن إلى آخر القرآن ،فحرصت على أخذها لأكتب منها ،ولم أتجرأ على طلبها صراحة ،ولكن قلت له: إذا كنت لم تدرس اليوم فأعطنيها أبيضها وأجلدها لك ،وآتيك بها غداً ،فأعطانيها فانتبهت فرحاً بذلك وبدأت في الكتابة .
والمرة الثانية في سورة المطففين ،لما كتبت على معنى التطفيف ،ثم فكرت في التوعد الشديد عليه مع ما يتأتى فيه من شيء طفيف ،حتى فكرت في أن له صلة بالربا ،إذا ما بيع جنس بجنسه ،فحصلت مغايرة في الكيل ووقع تفاضل ،ولكني لم أجد من قال به ،فرأيت فيما يرى النائم ،أني مع الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ،ولكن لم يتحدث معي في شيء من التفسير .
وبعد أن راح عني ،فإذا بشخص لا أعرفه يقول: وأنا أسمع دون أن يوجه الحديث إليَّ إن في التطفيف ربا ،إذا بيع الحديد بحديد ،وكلمة أخرى في معناها نسيتها بعد أن انتبهت .
وقد ذكرت ذلك تأسياً بأبي حيان ،لما أجد فيه من إيناس ،واللَّه أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ،وأن يهدينا سواء السبيل ،وعلى ما جاء في الرؤيا من مبشرات .وباللَّه تعالى التوفيق .