المفردات:
ضالا: غافلا عن أحكام الشرائع ،أو متحيرا فيما تراه من أحوال قومك .
فهدى: فهداك إلى أسباب الهداية بما أوحى إليك .
التفسير:
7- ووجدك ضالاّ فهدى .
ووجدك غافلا عن الشرائع ،فأنزل عليك الوحي والتشريع .
قال تعالى: وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون* بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ...( العنكبوت: 48 ،49 ) .
وقيل: المعنى: وجدك في حيرة مما عليك قومك ،فاليهودية قد عبث بها الرؤساء ورجال الدين ،والمسيحية كذلك ،عبث بها القساوسة والشمامسة والبطارقة ،وكان العرب يدّعون أنهم على دين إبراهيم ،ومع ذلك كانوا يئدون البنات ،ويشربون الخمر ،ويرتكبون الزنا ،ويعبدون الأوثان ،ويبطش القوي بالضعيف ،ويستمسك الأغنياء والأقوياء بمالهم وجاههم ،فلا ينفقون منه على الفقراء والمحتاجين ،وكان الله قد منح محمدا صلى الله عليه وسلم فطرة سليمة ،فلم يسجد لصنم ،ولم يشرب الخمر ،ولم يرتكب الفواحش ،وكان يخلو بنفسه في غار حراء ،عابدا لله متأملا في هذا الكون ،متحيرا مما عليه الناس ،حتى اجتباه الله وأنزل عليه الوحي ،وهداه إلى طريق الرسالة وإحياء دين الإسلام .
وجمهور العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم قد فطر على الإيمان بالله ،وما كان صلى الله عليه وسلم على دين قومه لحظة واحدة ،بدليل قوله تعالى: ما ضل صاحبكم وما غوى .( النجم: 2 ) .
وقد كان هناك متحنثون من العرب ،زهدوا فيما عليه القوم ،وانصرفوا إلى التحنث وتوحيد الله ،أي ترك الحنث والإثم ،والزهد في الدنيا ،والرغبة في السموّ الروحي ،وكان قس بن ساعدة الإيادي يخطب في الناس ،ويقول: البعرة تدل على البعير ،وخط السير يدل على المسير ،سماء ذات أبراج ،وبحار ذات أمواج ،وأرض ذات فجاج ،الا يدل ذلك كله على اللطيف الخبير ،يقسم قسّ بالله قسما لا إثم فيه ،إن لله دينا هو أرضى من دينكم هذا .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استمع إليه ،ثم قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله: ( أيكم يحفظ شعره ) ؟فقال أبو بكر الصديق: أنا أحفظ شعره ،وهو:
في الذاهبين الأولين *** من القرون بصائر
لم رأيت موارد للموت *** ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ***تمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أنّي لا محالة ***حيث صار القوم صائر
وقد ذكر الأستاذ الدكتور حسين مؤنس في كتابه ( دراسات في السيرة النبوية ) أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يدخل في مراحل النبوة قد اتجه بقله ونفسه إلى البحث عن الحق ،أنفة من الأوثان ،وبصيرة منه بأنها عبث لا طائل وراءها ،أي أنه سار في طريق من عرفنا من الحنيفية ،دون أن يكون في جملتهم ،إنما هو كان يبحث وحده عن ملة إبراهيم عليه السلام ،وهذا بدوره مرتبط أشد الارتباط بما كان محمد صلى الله عليه وسلم عليه طوال ما مضى من حياته كلها ،فقد وجهه الله سبحانه في طريق الفضائل والكمالات ،لما سبق في تقديره سبحانه من أنه مصطفيه للرسالة الكبرى ،فكان مثالا في الفضل والخير والعصمة من الزلل ،حتى تستقيم معه الرسالة .
وقد كانت في بلاد العرب يهودية لكنها كانت سلبية لا تدعو الناس إليها ،وكانت تؤمن بالله ،وكانت في بلاد العرب مسيحية لكنها كانت محدودة جدا في بعض الصوامع أو الأديرة ،وكانت تؤمن بالله .
وفكرة الله خالق الكون ظلت في أذهن العرب ،لكنهم أشركوا معه معبوداتهم الوثنية ،وقالوا إنهم يتقربون بعبادتها إلى الله زلفى .
قال تعالى على لسانهم: ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى ...( الزمر: 3 ) .
وكان من الحنيفيين ورقة بن نوفل ،وهو عم خديجة بنت خويلدi .اه .
كان صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمر نفسه ،ومن أمر قومه ،فهداه الله برسالته الخاتمة ،وجعله هاديا ومبشرا ونذيرا ،وداعيا إلى الله وسراجا منيرا .
وقيل: إن معنى الآية: أن النبي ضلّ عن جده في شعاب مكة ،فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه ،فرده إلى جده وهو متعلق بأستار الكعبة ،يضرع إلى الله تعالى ويقول:
يا رب ردّ ولدي محمدا *** أردده ربي واصطنع عندي يدا