قوله تعالى:{فِيهَا كُتُبٌ} .
جمع كتاب ،وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: كتب: بمعنى مكتوبات .
وقال ابن جرير: في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة .يذكر القرآن بأحسن الذكر ،ويثني عليه بأحسن الثناء .
وحكاه ابن كثير واقتصر عليه .
وقال القرطبي: إن الكتب بمعنى الأحكام ،مستدلاً بمثل قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وقوله:{كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي} .
وقيل: الكتب القيمة: هي القرآن ،فجعله كتباً ،لأنه يشتمل على أبواب من البيان .
وذكر الفخر الرازي: أنه يحتمل في كتب أي الآيات المكتوبة في المصحف ،وهو قريب من قول الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه .
وقال الشوكاني: المراد: الآيات والأحكام المكتوبة فيها ،وهذه المعاني وإن كانت صحيحة ،إلا أن ظاهر اللفظ أدل على تضمن معنى كتب منه على معنى كتابة أحكام .
والذي يظهر أن مدلول كتب على ظاهرها ،وهو تضمن تلك الصحف المطهرة لكتب سابقة قيمة ،كما ينص عليه قوله تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 16 وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ،ثم قال:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى 18 صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} ،وكقوله في عموم الكتب الأولى:{قَالُواْ يا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ،وقوله:{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ 3 مِن قَبْلُ} .
ولذا قال:{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} ،أي بما فيه من كتبهم القيمة المتقدم إنزالها ،كما في قوله:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} .
وقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
وقال:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} ،ونحو ذلك من الآيات ،مما يدل على أن آي القرآن متضمنة كتباً قيمة مما أنزلت من قبل ،وقد جاء عملياً في آية الرحمن ،وقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} أي في التوراة{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} ،فهذه من الكتب القيمة التي تضمنها القرآن الكريم ،كما قال:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} .
ولعل هذا بين وجه المعنى فيما رواه المفسرون عن الإمام أحمد ،أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب:"أُمرت أن أقرأ عليك سورة البينة ،فقال: أو ذكرت ثم ؟".وبكى رضي الله عنه ،لأن فيها زيادة طمأنينة له على إيمانه بأنه آمن بكتاب تضمن الكتب القيمة المتقدمة ،والتي يعرفها عبد اللَّه بن سلام أن الرجم في التوراة لما غطاها الآتي بها ،كما هو معروف في القصة .والعلم عند الله تعالى .