{ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء}
جملة{ إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوء} استئناف بياني لأنّ قولهم:{ وما نحن لك بمؤمنين} من شأنه أن يثير للسامع ومن معه في أنفسهم أن يقولوا إن لم تؤمنوا بما جاء به أنّه من عند الله فماذا تعدُّون دعوته فيكم ،أي نقول إنك ممسوس من بعض آلهتنا ،وجعلوا ذلك من فعل بعض الآلهة تهديداً للنّاس بأنه لو تصدّى له جميعُ الآلهة لدكوه دكّاً .
والاعتراء: النزول والإصابة .والباء للملابسة ،أي أصابك بسوء .ولا شك أنهم يعنون أن آلهتهم أصابته بمسّ من قَبْل أن يقوم بدعوة رفض عبادتها لسبب آخر ،وهو كلام غير جار على انتظام الحجّة ،لأنه كلام ملفّق من نوع ما يصدر عن السفسطائيين ،فجعلوه مجنوناً وجعلوا سبب جنونه مسّاً من آلهتهم ،ولم يتفطنوا إلى دخَل كلامهم وهو أن الآلهة كيف تكون سبباً في إثارة ثائر عليها .
والقول مستعمل في المقول اللساني ،وهو يقتضي اعتقادهم مَا يقولونه .
{ قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون}
لما جاءوا في كلامهم برفض ما دعاهم إليه وبجحد آياته وبتصميمهم على ملازمة عبادة أصنامهم وبالتنويه بتصرف آلهتهم أجابهم هود عليه السّلام بأنّه يشهد الله عليهم أنّه أبلغهم وأنّهم كابروا وجحدوا آياته .
وجملة{ أشهد الله} إنشاء لإشهاد الله بصيغة الإخبار لأنّ كل إنشاء لا يظهر أثره في الخلق من شأنه أن يقع بصيغة الخبر لما في الخبر من قصد إعلام السامع بما يضمره المتكلم ،ولذلك كان معنى صيغ العقود إنشاءً بلفظ الخبر .ثمّ حمَلهم شهادة له بأنه بريء من شركائهم مبادرة بإنكار المنكر وإن كان ذلك قد أتوا به استطراداً ،فلذلك كان تعَرّضه لإبطاله كالاعتراض بين جملة{ إني أشهد الله} وجملة{ فإن تولوا}[ هود: 57] بناء على أن جملة{ فإن تَولوا} إلى آخرها من كلام هود عليه السّلام ،وسيأتي .ومعنى إشهاده فيراد من شركائهم تحقيق ذلك وأنه لا يتردّد على أمر جازم قد أوجبه المشهود عليه على نفسه .وأتى في إشهادهم بصيغة الأمر لأنه أراد مزاجة إنشاء الإشهاد دون رائحة معنى الإخبار .
و ( ما ) في قوله:{ مما تشركون} موصولة .والعائد محذوف .والتقدير: مما يشركونه .