بعد أن خص الله محمداً صلى الله عليه وسلم بتلقين الحجة القاطعة للضلالة أردف ذلك بتلقينه أيضاً ما لقنه الرسل السابقين من تفويض الأمر إلى الله وتحكيمه في أعدائه ،فأمره ب{ قل كفى بالله} تسلية له وتثبيتاً لنفسه وتعهداً له بالفصل بينه وبينهم كما قال نوح وهود{ رب انصرني بما كذبون}[ المؤمنون: 26] ،وغيرهما من الرسل قال قريباً من ذلك .
وفي هذا رد لمجموع مقترحاتهم المتقدمة على وجه الإجمال .
ومفعول{ كفى} محذوف ،تقديره: كفاني .والشهيد: الشاهد ،وهو المخبر بالأمر الواقع كما وقع .
وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمُحق على المبطل ،فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم ،والقرينَةُ قوله:{ بيني وبينكم} لأن ظرف ( بين ) يناسب معنى الحُكم .وهذا بمعنى قوله تعالى:{ حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}[ الأعراف: 87] وقوله:{ يوم القيامة يفصل بينكم}[ الممتحنة: 3] .
والباء الداخلة على اسم الجلالة زائدة لتأكيد لصوق فعل{ كفى} بفاعله .وأصله: كفى الله شهيداً .
وجملة{ إنه كان بعباده خبيرا بصيراً} تعليل للاكتفاء به تعالى ،والخبير: العليم .وأريد به العليم بالنوايا والحقائق ،والبصير: العليم بالذوات والمشاهداتتِ من أحوالها .،والمقصود من اتباعه به إحاطةُ العلم وشموله .