و{ يَوْمَ تُوَلُّونَ} بدل من{ يَوْمَ التَّنَادِ} ،والتولي: الرجوع ،والإِدبارُ: أن يرجع من الطريق التي وراءه ،أي من حيث أتى هَرباً من الجهة التي ورد إليها لأنه وجد فيها ما يكره ،أي يوم تفرّون من هول ما تجدونه .و{ مدبرين} حال مؤكدة لعاملها وهو{ تولون} .
وجملة{ مَا لَكُم مِنَ الله مِن عَاصِمٍ} في موضع الحال .والمعنى: حالةَ لا ينفعكم التولِّي .
والعاصم: المانع والحافظ .و{ مِنَ الله} متعلق ب{ عاصم ،} و{ من} المتعلقة به للابتداء ،تقول: عصمه من الظالم ،أي جعله في منَعَة مبتدأة من الظالم .وضَمن فعل ( عَصم ) معنى: أنقذَ وانتزعَ ،ومعنى:{ مِنَ الله} من عذابه وعقابه لأن المنع إنما تتعلق به المعاني لا الذوات .و{ من} الداخلة على{ عاصم} مزيدة لتأكيد النفي .
وَأغنى الكلام على تعدية فعل:{ أَخَافُ عَلَيكم مِثلَ يَومِ الأحْزَابِ}[ غافر: 30] عن إعادته هنا .
وجملة{ وَمَن يُضْلِل الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} عطف على جملة{ إنِّي أخَافُ عَلَيْكُم يَوْمَ التَّنَادِ} لتضمنها معنى: إني أرشدتكم إلى الحذر من يوم التنادي .
وفي الكلام إيجاز بحذف جُمل تدل عليها الجملة المعطوفة .والتقدير: هذا إرشاد لكم فإن هداكم الله عملتم به وإن أعرضتم عنه فذلك لأن الله أضلكم ومن يضلل الله فما له من هاد ،وفي هذه الجملة معنى التذييل .
ومعنى إسناد الإِضلال والإِغواء ونحوهما إلى الله أن يكون قد خلق نفس الشخص وعقله خلقاً غير قابل لمعاني الحق والصواب ،ولا ينفعل لدلائل الاعتقاد الصحيح .
وأراد من هذه الصلة العموم الشامل لكل من حرمه الله التوفيق ،وفيه تعريض بتوقعه أن يكون فرعون وقومه من جملة هذا العموم ،وآثر لهم هذا دون أن يقول:{ ومن يهد الله فما له من مضل}[ الزمر: 37] لأنه أحسّ منهم الإِعراض ولم يتوسم فيهم مخائل الانتفاع بنصحه وموعظته .