يتعلق{ إذْ} بقوله{ أقرب}[ ق: 16] لأن اسم التفضيل يعمل في الظرف وإن كان لا يعمل في الفاعل ولا في المفعول به واللغة تتوسع في الظروف والمجرورات ما لا تتوسع في غيرها ،وهذه قاعدة مشهورة ثابتة والكلام تخلص للموعظة والتهديد بالجزاء يوم البعث والجزاء من إحصاء الأعمال خيرها وشرها المعلومة من آيات كثيرة في القرآن .وهذا التخلص بكلمة{ إذ} الدالة على الزمان من ألطف التخلص .
وتعريف{ المُتَلَقِّيان} تعريف العهد إذا كانت الآية نزلت بعد آيات ذُكر فيها الحفظة ،أو تعريفُ الجنس ،والتثنية فيها للإشارة إلى أن هذا الجنس مقسم اثنين اثنين .
والتلقّي: أخذ الشيء من يد معطيه .استعير لتسجيل الأقوال والأعمال حين صدورها من الناس .وحذف مفعول{ يتلقى} لدلالة قوله:{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .والتقدير: إذ تحصى أقوالهم وأعمالهم .فيؤخذ من الآية أن لكل إنسان ملَكيْن يحصيان أعماله وأن أحدهما يكون من جهة يمينه والآخر من جهة شماله .وورد في السنة بأسانيد مقبولة: أن الذي يَكون عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات وورد أنهما يلازمان الإنسان من وقت تكليفه إلى أن يموت .
وقوله:{ عن اليمين وعن الشمال قعيد} يجوز أن يكون{ قعيد} بدلاً من{ المتلقِّيان} بدل بعض ،و{ عن اليمين} متعلق ب{ قعيد} ،وقدم على متعلَّقه للاهتمام بما دل عليه من الإحاطة بجانبيه وللرعاية على الفاصلة .ويجوز أن يكون{ عن اليمين} خبراً مقدماً ،و{ قعيد} مبتدأ وتكون الجملة بياناً لجملة{ يتلقى المتلقيان} .
وعطف قوله:{ وعن الشمال} على جملة{ يتلقى} وليس عطفاً على قوله:{ عن اليمين} لأنه ليس المعنى على أن القعيد قعيد في الجهتين ،بل كل من الجهتين قعيد مستقل بها .والتقدير: عن اليمين قعيد ،وعن الشمال قعيد آخر .والتعريف في{ اليمين} و{ الشمال} تعريف العهد أو اللام عوض عن المضاف إليه ،أي عن يمين الإنسان وعن شماله .
والقعيد: المُقَاعد مثل الجَليس للمجالس ،والأكيل للمؤاكل ،والشَّرِيب للمشارب ،والخليطِ للمخالط .والغالب في فعيل أن يكون إما بمعنى فاعل ،وإما بمعنى مفعول ،فلمّا كان في المفاعلة معنى الفاعل والمفعول معاً ،جاز مجيء فعيل منه بأحد الاعتبارين تعويلاً على القرينة ،ولذلك قالوا لامرأة الرجل قعيدته .والقعيد مستعار للملازم الذي لا ينفك عنه كمَا أطلقوا القعيد على الحافظ لأنه يلازم الشيء الموكل بحفظه .