ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا: ( إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ){[4647]} .
أي أنّه بالإضافة إلى إحاطة علم الله «التامّة » على ظاهر الإنسان وباطنه ،فهنالك ملكان مأموران بحفظ ما يصدر منه عن يمينه وشماله ،وهما معه دائماً ولا ينفصلان عنه لتتمّ الحجّة عليه عن هذا الطريق أكثر ،ولتتأكّد مسألة الحساب ( حساب الأعمال ) .
كلمة «تلقّى » معناها الأخذ والتسلّم ،و «المتلقّيان » هما ملكان مأموران بثبت أعمال الناس .
وكلمة «قعيد » مأخوذة من القعود ومعناها «جالس »{[4648]} والمراد بالقعيد هنا الرقيب والملازم للإنسان ،وبتعبير آخر أنّ الآية هذه لا تعني أنّ الملكين جالسين عن يمين الإنسان وعن شماله ،لأنّ الإنسان يكون في حال السير تارةً ،واُخرى في حال الجلوس ،بل التعبير هنا هو كناية عن وجودهما مع الإنسان وهما يترصدّان أعماله .
ويحتمل أيضاً أنّهما قعيدان على كتفي الإنسان الأيمن والأيسر ،أو أنّهما قعيدان عند نابيه أو ناجذيه دائماً ويسجّلان أعماله ،وهناك إشارة إلى هذا المعنى في بعض الرّوايات غير المعروفة «كما في بحار الأنوار ج59 ص186 رقم الرّواية 32 » .
وممّا يجدر التنويه عليه أنّه ورد في الرّوايات الإسلامية أنّ ملك اليمين كاتب الحسنات ،وملك الشمال كاتب السيّئات ،وصاحب اليمين أميرٌ على صاحب الشمال ،فإذا عمل الإنسان حسنةً كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها ،وإذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات ،فإذا استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء ،وإن لم يستغفر الله كتب له سيّئة واحدة .
كما يظهر من بعض الرّوايات أنّهما يقولان بعد موت المؤمن: ربّنا قبضت روح عبدك فإلى أين ؟قال: سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدي{[4649]} .
وفي رواية اُخرى عن النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: «ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلاّ أمر الله تعالى الحفظة فقال: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدوداً في وثاقي » ثمّ أضاف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مرض أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً »{[4650]} .
وهذه الرّوايات جميعها إشارة إلى لطف الله الواسع .
/خ18