أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث فتتحدّث عن الملكين أيضاً فتقول: ( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ){[4651]} .
وكان الكلام في الآية الآنفة عن كتابة جميع أعمال الإنسان ،وفي هذه الآية اهتمام بخصوص ألفاظه ،وهذا الأمر هو للأهميّة القصوى للقول وأثره في حياة الناس ،حتّى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصيرة قد تؤدّي إلى تغيير مسير المجتمع نحو الخير أو الشرّ !!كما أنّ بعض الناس لا يعتقدون بأنّ الكلام جزء من أعمالهم ..ويرون أنفسهم أحراراً في الكلام مع أنّ أكثر الأمور تأثيراً وأخطرها في حياة الناس هو الكلام !.
فبناءاً على ذلك فإن ذكر هذه الآية بعد الآية المتقدّمة هو من قبيل ذكر الخاص بعد العام .
كلمة «الرقيب » معناها المراقب و «العتيد » معناها المتهيئ للعمل ،لذلك يطلق على الفرس المعدّة للركض بأنّها فرس عتيد كما يطلق على من يعدّ شيئاً أو يدّخره بأنّه عتيد ،وهي من مادّة العتاد على زنة الجهاد ومعناها الإدّخار !.
ويعتقد أغلب المفسّرين أنّ الرقيب والعتيد اسمان للملكين المذكورين في الآية المتقدّمة وهما «المتلقيان » فاسم ملك اليمين «رقيب » واسم ملك الشمال «عتيد » ،وبالرغم من أنّ الآية محلّ البحث ليس فيها قول صريح على هذا الأمر ،إلاّ أنّ هذا التّفسير وبملاحظة مجموع الآيات يبدو غير بعيد !
ولكن أيّ كلام يكتب هذان الملكان ؟هناك أقوال بين المفسّرين قال بعضهم يكتبان كلّ كلام حتّى الصرخات من الألم ،في حين أنّ بعضهم الآخر يعتقد بأنّهما يكتبان ألفاظ الخير والشرّ والواجب والمستحبّ أو الحرام والمكروه ،ولا يكتبان ما هو مباح !
إلاّ أنّ عموميّة التعبير يدلّ على أنّ الملكين يكتبان كلّ لفظ وقول يقوله الإنسان .
الطريف أنّنا نقرأ روايةً عن الإمام الصادق يقول فيها: «إنّ المؤمنين إذا قعدا يتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرّاً وقد ستر الله عليهما !
يقول الراوي: ألم يقل الله تعالى ( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) فيجيب الإمام ( عليه السلام ): إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السرّ يسمع ويرى »{[4652]} .
ويستفاد من هذه الرّوايات أنّ الله سبحانه يكتم بعض أحاديث المؤمن التي فيها ( جانب سرّي ) احتراما وإكراماً له ،إلاّ أنّه حافظ لجميع هذه الأسرار .
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ حفظة الليل غير حفظة النهار ،كما بيّنا هذا المعنى في تفسير الآية 78 من سورة الإسراء من نفس هذا التّفسير .
/خ18