{ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوات ومَن فِي الأَرْضِ} من عابد ومعبود ، فهو ربهم ومالكهم ، وهم عبيده المربوبون المملوكون له .
{ ومَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء} له في ربوبيته وملكه ، أي إن هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله بدعائهم في الشدائد ، واستغاثتهم في النوازل ، والتقرب إليهم بالنذور ، والقرابين والوسائل ، لا يتبعون شركاء له في تدبير أمور عباده ينفعونهم أو يكشفون الضر عنهم ؛ إذ لا شركاء له .
{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} أي ما يتبعون في الحقيقة إلا ظنهم أن هؤلاء الذين يدعونهم أولياء لله وشفعاء عنده ، فهم يتوسلون بهم وبتماثيلهم إليه ، لأنهم يقيسونه على ملوكهم الظالمين المتكبرين ، الذين لا يصل إليهم أحد من رعاياهم إلا بوسائل حجابه ووسائطه ووزارته .
{ وإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي وما هم في اتباع هذا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا إلا يخرصون خرصا ، أي يحزرون حزرا ، أو يكذبون كذبا ، أصل الخرص الحزر والتقدير للشيء الذي لا يجري على قياس من وزن أو كيل أو ذرع ، بل هو كخرص الثمر على الشجر والحب في الزرع ، ولكثرة الخطأ فيه أطلق على لازمه الغالب وهو الكذب ، فالظن الذي يبنى عليه يكون من أضعف الظن وأبعده عن الحق ، مثاله ما ذكرناه آنفا من قياس الرب في تدبير أمور عباده على الملوك ، وهذا قياس شيطاني سمعته من جميع طبقات الجاهلين لعقائد الإسلام ، وتوحيد الرحمن ، حتى من يلقبون بالعلماء وبالباشاوات ، ومثله قولهم في وسائلهم الذين يسمونهم الأولياء:إن الله يحبهم ، وكل من يحب أحدا فإنه يقبل وساطته وشفاعته ، فيقيسون تأثير عباد الله الصالحين عنده تعالى ، على تأثير أصدقاء الملوك والوجهاء ومعشوقيهم في قبولهم منهم جميع ما يطلبونه ، ويجهلون أن أفعال الله تعالى إنما تجري بمقتضى مشيئته الأزلية لا تؤثر فيها الحوادث ، وأن جميع أوليائه وأنبيائه وملائكته عبيد مملوكون له{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [ الإسراء:57] أي إن أقرب أولئك الذين يدعونهم ويتوسلون إليه تعالى بهم كالمسيح والملائكة ومن دونهم ، هم يتلوسلون إليه راجين خائفين ، لا كأعوان الملوك الذين لا يقوم أمر ملكهم بدونهم ، ومعشوقيهم الذين لا يتم تمتعهم الشهواني إلا بهم .