/م90
{ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين} أي أتسلم الآن ، أو تدعي الإسلام وإذعان الطاعة والانقياد حيث لا محل له ولا إمكان بما حال دونه من الهلاك ، وقد عصيت قبله ، وكنت من المفسدين في الأرض ، الظالمين للعباد ، والمراد أن دعوى الإسلام الآن باطلة ، والإيمان بدون الإسلام مع إمكانه لا يقبل ، فكيف يقبل وقد صار اضطرارا لا معنى لقبوله ؛ لأنه انفعال لا فعل لصاحبه ، وجملة القول:إن إسلامه كان كما قال الشاعر:
أتت وحياض الموت بيني وبينها***وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
وقد تقدم مثل هذا الاستفهام الإنكاري في هذه السورة ، وهو قوله تعالى في المكذبين بوعد الله تعالى ووعيده بما كان يحملهم على استعجال عذابه:{ أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون} [ يونس:51] ، وسيأتي بعد بضع آيات منها أن الإيمان لا ينفع عند وقوع عذاب الاستئصال الذي هو نهاية أجل القوم ، كما أنه لا ينفع حتى إذا حضر أحدهم الموت الشخص ، كما تقدم في قوله تعالى:{ ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ولاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وهُمْ كُفَّارٌ} [ النساء:18] ، ومن البديهي أن التوبة من الكفر والمعصية إنما تنفع بالرجوع إلى الطاعة .على أن اليائس من الشيء بالفعل لا يعقل أن يكون صادقا في ادعائه إياه أو طلبه له بالقول .ولعل فرعون أراد بقوله حينئذ أنه كان يرجو بهذا أن ينجيه الله تعالى كما نجاه وقومه من كل نازلة من عذاب الله حلت به وبقومه ؛ إذ كان يقول لموسى{ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ} [ الأعراف:134} ، ولكن تلك النوازل إنما كانت لأجل إرسال بني إسرائيل مع موسى فهي غايتها ، ولم تكن عقابا على الإصرار على كفر الجحود والعناد الذي هو شر أنواع الكفر وأدلها على خبث طوية صاحبه ، كذا العقاب الأخير بعد نجاة بني إسرائيل منه رغم أنفه .