/م90
{ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْر} يقال جاز المكان وجاوزه إذا ذهب فيه وقطعه حتى خلفه وراءه .وأصله من جوز الطريق ونحوه وهو وسطه ، وتسمية الجوزاء مأخوذة من تعرضها في جوز السماء أي وسطها ، ومجاوزة الله البحر بهم عبارة عن كونهم جاوزوه بمعونته تعالى وقدرته وحفظه ، إذ كان آية من آياته لنبيه موسى عليه السلام بفرقه تعالى بهم البحر وانفلاقه لهم كما تقدم في سورة البقرة والأعراف .
{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْياً وعَدْواً} أي لحقهم فأدركهم ظلما وعدوانا عليهم ليفتك بهم ، أو يعيدهم إلى مصر حيث يتعبدهم ويسومهم سوء العذاب .
{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} أي فخاض البحر وراءهم حتى إذا وصل إلى حد الغرق قال{ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} أي قال قبل أن يغرق- وهو يدل على أن البحر لم يطبق عليه دفعة واحدة-:آمنت أنه لا إله بالحق إلا الرب الذي آمنت به جماعة بني إسرائيل بدعوة موسى .
{ وأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي أنا فرد من جماعة المذعنين له ، المنقادين لأمره ، بعد ما كان من كفر الجحود بآياته والعناد لرسوله ، يعني أنه جمع بين الإيمان الذي هو التصديق بالقلب ، والإسلام الذي هو الإذعان والخضوع بالفعل ، بدون امتياز لعظمة الملك ، وكان من قبل جاحدا ، أي مصدقا غير مذعن ولا خاضع ، بدليل قوله تعالى فيه وفي آله{ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [ النمل:14] يعني آيات موسى .وهذه هي العاقبة ، وقد أجيب فيها فرعون عن دعواه بقوله تعالى - الذي يعرف بلسان الحال أو بقول جبريل عليه السلام-:{ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين} .