/م103
{ فأما الذين شقوا} أي الذين شقوا في الدنيا بالفعل بما كانوا يعملون من أعمال الأشقياء ، لفساد عقائدهم الموروثة بالتقليد ، حتى أحاطت بهم خطيئاتهم ، واطفأت نور الفطرة من أنفسهم{ ففي النار} مستقرهم ومثواهم{ لهم فيها زفير وشهيق} من ضيق أنفاسهم ، وحرج صدورهم ، وشدة كروبهم:فالزفير والشهيق صوتان يخرجان من الصدر عند شدة الكرب والحزن في بكاء أو غيره ، قال الزمخشري في الكشاف:الزفير إخراج النفس ، والشهيق رده ، قال الشماخ:
بعيد مدى التطريب أول صوته زفير ويتلوه شهيق محشرج{[1761]}
وقال الراغب في الآية:فالزفير تردد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه ، ثم قال:الشهيق طول الزفير ، وهو رد النفس ، والزفير مده .وقال في اللسان:الشهيق أقبح الأصوات ، شهق [ كعلم وضرب] شهيقا وشهاقا ردد البكاء في صدره اه .والتحقيق أن تنفس الصعداء من الهم والكرب ، إذا امتد واشتد فسمع صوته كان زفيرا ، وإن كان النشيج في البكاء إذا اشتد تردده في الصدر وارتفع به الصوت سمي شهيقا ، وأصل اشتقاقه من الشهوق ، وقولهم جبل شاهق ، وما أبلغ قول شيخنا في مقدمة العروة الوثقى يصف كرب المسلمين من شدة اعتداء المستعمرين الظالمين:وسرى الألم في أرواح المؤمنين سريان الاعتقاد في مداركهم ، وهم من تذكار الماضي ومراقبة الحاضر يتنفسون الصعداء ، ولا نأمن أن يصير التنفس زفيرا بل نفيرا عاما ، بل يكون صاخة تمزق من أصمّه الطمع .