/م12
{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك} المتبادر إلى الفهم من جملة لعل بحسب موقعها هنا الاستفهام الإنكاري المراد به النهي أو النفي ، أي افتارك أنت أيها الرسول بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه على المشركين من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والإنذار والوعيد الشديد لهم والنعي عليهم وضائق به صدرك أن تبلغهم إياه كله كما أنزل كراهة{ أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز} أي هلا أعطاه ربه كنزا من لدنه يغنيه في نفقته ويمتاز به على غيره ، فالكنز ما يدخر من المال في الأرض ، عبروا به عما ينال بغير كسب ، وبإنزاله عليه على كونه من عند الله يخصه به .
{ أو جاء معه ملك} يؤيده في دعوته ، وهم قد قالوا ذلك كما جاء في سورة الفرقان{ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقي إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} [ الفرقان:7 ، 8] ؟ أي إن ضيق الصدر وكتمان بعض الوحي مما يخطر بالبال ، وشأنه أن تقتضيه الحال ، بحسب المعهود من طباع الناس ، فهل أنت مجترح لهذا الترك ، أو مستسلم لما يعرض لك بمقتضى البشرية من ضيق الصدر ؟ كلا لا تفعله ، فهو كقوله:{ ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [ النحل:127] وقوله:{ المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين} [ الأعراف:1 ،2] وقوله:{ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} [ الكهف:6]
وقوله:{ طسم تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} [ الشعراء:1-4] أي لعلك قاتلها غما وانتحارا ؟ أي لا تفعل ، وحاصله أن عنادهم وجحودهم وإعراضهم عن الإيمان وشدة اهتمامك بأمرهم فيما ليس أمره بيدك مما شأنه أن يفضي إلى ذلك لولا عصمتنا إياك وتثبيتنا لك ، فهل تصر عليه حتى تبخع نفسك ؟ لا لا .ويوضح هذا المعنى في كون الإرشاد مبنيا على بيان الواقع في تلك الوقائع قوله تعالى:{ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} [ الإسراء:74] .
{ إنما أنت نذير} فعليك أن تبلغ جميع ما أمرت أن تبلغه وتنذر به في وقته وإن ساءهم وأطلق ألسنتهم{ والله على كل شيء وكيل} أي هو الموكل بأمور العباد والرقيب عليهم فيها وليس عليك منها شيء ، لأنها من أمور الخلق والتدبير ، لا من موضوع التعليم والتبليغ ، الذي هو وظيفة الرسل كما قال في آيات أخرى{ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} [ البقرة:272]{ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} [ الغاشية:21 ، 22]{ نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ ق:45] .
ومن مباحث اللغة في الآية أن كلمة [ لعل] للترجي والتوقع وفي لسان العرب أنها رجاء وطمع وشك .وقالوا:إنها من الله تعالى للقطع في مثل قوله{ واتقوا الله لعلكم تفلحون} [ البقرة:189] وقال شيخنا:إنها للإعداد والتهيئة ، أي ليعيدكم ويؤهلكم للفلاح بالتقوى .وحققنا أنها قد تكون لإطماع المخاطب وإحداث الرجاء عنده وهو مروي عن سيبويه ، وحصر ابن هشام معانيها في ثلاث .
1-التوقع ، وهو ترجي المحبوب والإشفاق من المكروه .
2-التعليل ، قال:وحملوا عليه قوله تعالى في فرعون{ لعله يتذكر أو يخشى} [ طه:44] .
3- الاستفهام ، وأسنده إلى الكوفيين .أقول:وإذا كانت للاستفهام يدخل فيه أنواعه كاستفهام الإنكار المراد به النهي أو النفي واختاره بعضهم في هذه الآية قبلنا .