/م15
قال عز وجل .
{ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} أي من كان كل حظه من وجوده التمتع بلذات هذه الحياة الأولى التي هي أدنى الحياتين اللتين خلق لهما وهي الطعام والشراب والوقاع ، وزينتها من اللباس والأثاث والرياش والأولاد والأموال ، لا يريد مع ذلك استعدادا للحياة الآخرة ولقاء الله تعالى بالبر والإحسان ، وتزكية النفس بباعث الإيمان{ نوف إليهم أعمالهم فيها} أي نؤد إليهم ثمرات أعمالهم التي يعملونها وافية تامة بحسب سنتنا في الأسباب والمسببات ونظام الأقدار ، وقد فصلنا هذا المعنى في التفسير مرارا .
{ وهم فيها لا يبخسون} وهم لا ينقصون فيها شيئا من نتائج كسبهم لأجل كفرهم ، فإن مدار الأرزاق فيها على الأعمال السببية ، لا على النيات والمقاصد الدينية ، ولكن لهداية الدين تأثير فيها من ناحية الأمانة والاستقامة والصدق والنصح ، واجتناب الخيانة والزور والغش ، وغير ذلك من الصبر والتعاون على البر والتقوى ، ولأهلها العاقبة الحسنة فيها .وكرر لفظ فيها للتأكيد والإعلام بأن الآخرة ليست كالدنيا في وفاء كيل الجزاء وفي بخسه ، فإنه فيها منوط بأمرين:كسب الإنسان ونظام الأقدار ، وقد يتعارضان ، وأما جزاء الآخرة فهو بفعل الله تعالى مباشرة{ ولا يظلم ربك أحد} [ الكهف:49] .
/خ16