/م41
{ يا صاحبي السجن أما أحدكما} وهو الذي رأى أنه يعصر خمرا{ فيسقي ربه خمرا} يعني بربه مالك رقبته وهو الملك لا ربوبية العبودية فملك مصر في عهد يوسف لم يدع الربوبية والألوهية كفرعون موسى وغيره ، بل كان من ملوك العرب الرعاة الذين ملكوا البلاد عدة قرون{ وأما الآخر} وهو الذي رأى أنه يحمل خبزا تأكل الطير منه{ فيصلب فتأكل الطير من رأسه} أي الطير التي تأكل اللحوم كالحدأة ، وهذا التأويل قريب من أصل رؤيا كل منهما وقد يكون من خواطرهما النومية وتأويلهما على كل حال من مكاشفات يوسف ويؤكد قوله .
{ قضي الأمر الذي فيه تستفيان} فهذا نبأ زائد على تعبير رؤياهما ورد مورد الجواب عن سؤال كأنه يخطر ببالهما أو أسئلة في صفة ذلك التعبير وهل هو قطعي أم ظني يجوز غيره ومتى يكون ؟ فهو يقول لهما:إن الأمر الذي يهلكهما أو يشكل عليكما وتستفتياني فيه قد قضي وبت فيه وانتهى حكمه .والاستفتاء في اللغة السؤال عن المشكل المجهول ، والفتوى جوابه سواء أكان نبأ أم حكما ، وقد غلب في الاستعمال الشرعي في السؤال عن الأحكام الشرعية ، ومن الشواهد على عمومه{ أفتوني في رؤياي} [ يوسف:43] وهي مشتقة من الفتوة الدالة على معنى القوة والمضاء والثقة .
قلت إن هذه الفتوى من يوسف عليه السلام زائدة على ما عبر به رؤياهما داخلة في قسم المكاشفة ونبأ الغيب مما علمه الله تعالى وجعله آية له ليثقوا بقوله وهم أولو علم وفن وسحر ، ومعناها أنه علم بوحي ربه أن الملك قد حكم في أمرهما بما قاله لا من باب تأويل الرؤيا على تقدير كون ما رأيا من النوع الصادق منها لا من أضغاث الأحلام [ وسنبين الفرق بينهما في التفسير الإجمالي لكليات السورة إن شاء الله تعالى] .