/م43
{ ثم يأتي من بعد ذلك} الذي ذكر وهو السبع الشداد{ عام فيه يغاث الناس} أي فيه يغيثهم الله تعالى من الشدة اسم الإغاثة وأوسعها وهي تشمل جميع أنواع المعونة بعد الشدة:يقال غاثه يغوثة غوثا وغواثا [ بالفتح] وأغاثه إغاثة إذا أعانه ونجاه ، وغوّث الرجل:قال"واغوثاه "واستغاث ربه استنصر وسأله الغوث ، ويجوز أن يكون من الغيث وهو المطر إذ يقال غاث الله البلاد غيثا وغياثا إذا أنزل فيها المطر ، والأول أعم وهو المتبادر هنا ، ولا يقال إن الثاني لا يصح ، لأن خصب مصر يكون بفيضان النيل لا بالمطر فإن فيضانه لا يكون إلا من المطر الذي يمده في مجاريه من بلاد السودان ، فاعتراض بعض المستشرقين من الإفرنج وزعمه أن الكلمة من الغيث وأنها غير جائزة جهل زينه لهم الشيطان تلذذا بالاعتراض على لغة القرآن .
{ وفيه يعصرون} ما شأنه أن يعصر من الأدهان التي يأتدمون بها ويستصبحون كالزيت من الزيتون والقرطم وغيره ، والشيرج من السمسم وغير ذلك ، والأشربة من القصب والنخيل والعنب .والمراد أن هذا العام عظيم الخصب والإقبال ، يكون للناس فيه كل ما يبغون من النعمة والإتراف ، والإنباء بهذا زائد على تأويل الرؤيا لجواز أن يكون العام الأول بعد سني الشدة والجدب دون ذلك ، فهذا التخصيص والتفصيل لم يعرفه يوسف إلا بوحي من الله عز وجل لا مقابل له في رؤيا الملك ولا هو لازم من لوازم تأويلها بهذا التفصيل ، وقرأ حمزة والكسائي تعصرون بالخطاب كتزرعون وتحصنون ، وقراءة الجمهور وعطف على يغاث الناس ، وفائدة القراءتين ، بيان المنة على الفريقين من غائب محكي عنه ، وحاضر مخاطب بما يكون منه .