/م50
{ وقال الملك ائتوني به} لأسمع كلامه بأذني ، واختبر تفصيل رأيه ودرجة عقله بنفسي{ فلما جاءه الرسول} وبلغه أمر الملك{ قال ارجع إلى ربك فاسأله} قبل شخوصي إليه ووقوفي بين يديه{ ما بال النسوة التي قطعن أيديهن} أي ما حقيقة أمرهن معي ، فالبال الأمر الذي يهتم به ويبحث عنه ، فهو يقول سله عن حالهن ليبحث عنه ويعرف حقيقته فلا أحب أن آتيه وأنا متهم بقضية عوقبت عليها أو عقبها بالسجن وطال مكثي فيه وأنا غير مذنب فأقبل منه العفو{ إن ربي بكيدهن عليم} وقد صرفه عني فلم يمسني منه سوء معهن ، وربك لا يعلم ما علم ربي منه .
وفي هذا التريث والسؤال فوائد جليلة في أخلاق يوسف عليه السلام وعقله وأدبه في سؤاله [ منها] دلالته على صبره وأناته ، وجدير بمن لقي ما لقي من الشدائد أن يكون صبورا حليما ، فكيف إذا كان نبيا وارثا لإبراهيم الذي وصفه الله بالأواه الحليم ؟ وفي حديث أبي هريرة في المسند والصحيحين مرفوعا ( ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ){[1797]} وفي لفظ لأحمد ( لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر ){[1798]} ، وأما ما رواه عبد الرزاق عن عكرمة في تعجب النبي من صبره وكرمه وكونه لو كان مكانه لما أول لهم الرؤيا حتى يشترط عليهم أن يخرجوه من السجن ، ولو أتاه الرسول لبادرهم الباب ..فهو مرسل لا يحتاج به .
[ ومنها] عزة نفسه وحفظ كرامتها إذ لم يرض أن يكون منها بالباطل حتى يظهر براءته ونزاهته ، [ ومنها] وجوب الدفاع عن النفس وإبطال التهم التي تخل بالشرف كوجوب اجتناب مواقفها ، [ ومنها] مراعاته النزاهة بعدم التصريح بشيء من الطعن على النسوة وترك أمر التحقيق إلى الملك يسألهن ما بالهن قطعن أيديهن وينظر ما يجبن به ، [ ومنها] أنه لم يذكر سيدته معهن وهي أصل الفتنة وفاء لزوجها ورحمة بها ، لأن أمر شغفها به كان وجدانا قاهرا لها ، وإنما اتهمها أولا عند وقوفه موقف التهمة لدى سيدها وطعنها فيه دفاعا عن نفسه ، فهو لم يكن له بد منه .