/م50
{ قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه} الخطب الشأن العظيم الذي يقع فيه التخاطب والبحث لغرابته أو إنكاره ، ومنه قول إبراهيم للملائكة{ فما خطبكم أيها المرسلون} [ الحجر:57] وقول موسى في قصة العجل{ فما خطبك يا سامري} [ طه:95] وقوله للمرأتين اللتين كانتا تذودان ماشيتهما عن مورد السقيا{ وما خطبكما} [ القصص:23] وهذه الجملة بيان لجواب سؤال مقدر دل عليه السياق كأمثاله والمعنى أن الرسول بلغ الملك قول يوسف ، وأنه لا يخرج من السجن استجابة لدعوته حتى يحقق مسألة النسوة ، فجمعهن وسألهن:ما خطبكن الذي حملكن على مراودته عن نفسه هل كان عن ميل منه إليكن ، ومغازلة لكن قبلها ، وهل رأيتن منه مواتاة واستجابة بعدها ؟ أم ماذا كان سبب إلقائه في السجن مع المجرمين ؟
{ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء} أي معاذ الله ما علمنا عليه أدنى شيء يشينه ويسوءه لا كبير ولا صغير ، ولا كثير ولا قليل ، هذا ما يدل عليه نفي العلم مع تنكير سوء ودخول"من "عليها ، وهو أبلغ من نفي رؤية السوء عنه{ قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق} ، أي ظهر بعد خفائه ، وانحسرت رغوة الباطل عن محضه ، وهو تكرار من حصه إذا قطع منه حصة بعد حصة [ بالكسر] وهي النصيب لكل شريك في شيء ، مثل كبكب وكفكف الشيء إذا كبه وكفه مرة بعد أخرى ، فهي تقول:إن الحق في هذه القضية كان في رأي الذين بلغهم موزع التبعة بيننا معشر النسوة وبين يوسف لكل منا حصة ، بقدر ما عرض فيها من شبهة ، والآن قد ظهر الحق في جانب واحد لا خفاء فيه ولا شبهة عليه ، فإن كان عواذلي شهدن بنفي السوء عنه وهي شهادة نفي ، فشاهدتي له على نفسي شهادة إثبات ؟
{ أنا راودته عن نفسه} وهو لم يراودني ، بل استعصم وأعرض عني{ وإنه لمن الصادقين} فيما اتهمني به من قبل ، وحمله أدبه الأعلى ووفاؤه الأسمى لمن أكرم مثواه وأحسن إليه على السكوت عنه إلى الآن ، ونحن جزيناه بالسيئة على الإحسان ، وقد أقر الخصم وارتفع النزاع .