{ ( 11 ) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( 12 ) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ( 13 ) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ؟ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون}
تنطق هذه الآيات بأن ما عليه هذا الصنف من الغرور بما عنده من التقاليد قد سول له الباطل وزين له سوء عمله فرآه حسنا ، وشوه في نظره كل حق لم يأته على لسان رؤسائه ومقلديه بنصه التفصيلي ، فهو يراه قبيحا .
وقد صورت الآيات هذا الغرور بما حكته عن بعض أفراده وهو:{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} بما تصدون عن سبيل الله من آمن وتبغونها عوجاء ، وتنفرون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء من الإصلاح ، الذي يجتث أصول الفساد ، ويصطلم جراثيم الأداء ، ويحيي ما أماتته البدع من إرشاد الدين ، ويقيم ما قوضته التقاليد من سنن المرسلين{ قالوا إنما نحن مصلحون} بالتمسك بما استنبطه الرؤساء ، وما كان عليه الأحبار والعرفاء ، من تعاليم الأنبياء ، فإنهم أعرف بسنتهم ، وأدرى بطريقتهم ، فكيف ندع ما تلقيناه منهم ، ونذر ما يؤثر آباؤنا وشيوخنا عنهم ، ونأخذ بشيء جديد ، وطارف ليس له تليد ؟
هكذا شأن كل مفسد:يدعي أنه مصلح في نفس إفساده ، فإن كان على بينة من إفساده عارفا أنه مضل – وإنما يكون كذلك إذا كان إفساده لغيره لعداوة منه له – فإنما يدعى ذلك لتبرئة نفسه من وصمة الإفساد بالتمويه والمواربة .وإن كان مسوقا إلى الإفساد بسوء التقليد الأعمى الذي لا ميزان فيه لمعرفة الإصلاح من الإفساد إلا الثقة بالرؤساء المقلدين ، فهو يدعيه عن اعتقاد ولا يريد أن يفهم غير ما تلقاه عنهم:وإن كان أثر تقليدهم ، والسير على طريقتهم ، مفسدا للأمة في الواقع ونفس الأمر ، لأن الوجود والحقيقة الواقعة لا قيمة لهما ولا اعتبار في نظر المقلدين بل هم لا يعرفون مناشئ الفساد ومصادر الخلل ، ولا مزالق الزلل ، لأنهم عطلوا نظرهم الذي يميز ذلك ، وأرادوا أن يوقعوا غيرهم بهذه المهالك ، بصدهم عن سبيل الإسلام ، الداعي إلى الوحدة والالتئام .فكان ذلك منهم دعاء إلى الفرقة والانفصام ، والثبات على عبادة الملائكة أو البشر أو الأصنام .وأي إفساد في الأرض أعظم من التنفير عن اتباع الحق ، وعن الاعتصام بدين فيه سعادة الدارين ، والأرض إنما تفسد وتصلح بأهلها ؟ ولذلك قال تعالى{ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} .