/{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون 11} .
شروع في تعديد بعض من مساوئهم المتفرّعةعلى ما حكى عنهم من الكفر والنفاقو "الفساد "خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعا به .ونقيضه"الصلاح "وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة .والفساد في الأرض:تهييج الحروب والفتن ،لأن في ذلك فساد ما في الأرض ،وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس ،والزروع ،والمنافع الدينية والدنيوية .قال الله تعالى:{ وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ،والله لا يحب الفساد}{[482]} .{ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}{[483]}ومنه قيل لحرب كانت بين طيىء:حرب الفساد.
وكان إفساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يُمالِئُون الكفار على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم ،وإغرائهم عليهم ،واتخاذهم أولياء ،مع ما يدعون في السر إلى:تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ،وجحد الإسلام ،وإلقاء الشبه ،وذلك مما يجرئ الكفرة على إظهار عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ،ونصب الحرب له ،وطمعهم في الغلبة .فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفسادبتهييج الفتن بينهمقيل لهم:{ لا تفسدوا}كما تقول للرجل:لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار ؛ إذا أقدم على ما هذه عاقبتهوقد قال تعالى:{ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض * إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}{[484]}/ فأخبر أن موالاة الكافرين تؤدي إلى الفتنة والفساد ،لما تقدم .
وقولهم:{ إنما نحن مصلحون} أي:بين المؤمنين وأهل الكتاب .نُداري الفريقين ونريد الإصلاح بينهما كما حكى الله عنهم أنهم قالوا:{ إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا}{[485]} .أو معناه:إنما نحن مصلحون في الأرض بالطاعة والانقياد .
قال الراغب:تصوروا إفسادهم بصورة الإصلاحلما في قلوبهم من المرضكما قال:{ أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا}{[486]} وقوله:{ وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون}{[487]} وقوله:{ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}{[488]} .
وقال القاشانيّ:كانوا يرون الصلاح في تحصيل المعاش ،وتيسير أسبابه ،وتنظيم أمور الدنيالأنفسهم خاصةلتوغّلهم في محبة الدنيا ،وانهماكهم في اللذات البدنية ،واحتجابهمبالمنافع الجزئية ،والملاذّ الحسيةعن المصالح العامة الكلية ،واللذات العقلية ؛ وبذلك يتيسر مرادهم ،ويتسهل مطلوبهم ،وهم لا يحسون بإفسادهم المدرك بالحس .