ذلك قوله تعالى{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} فلا ينفعكم يوم القيامة أن تعتذروا عن الإعراض عن فهم كتاب الله بأن بعض سلفكم كانوا يفهمونه ويتدبرونه ، وإنكم استغنيتم بتدبرهم وفهمهم عن أن تفهموا وتتدبروا ، فإنه يوم لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا .ويؤيد الآية حديث الصحيحين"يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا "الخ .وإذا كان لا يجزي فهم سلفكم عنكم أنكم أعرضتم عن هداية كتابه فلا تنفعكم شفاعتهم أيضا ، كما أنه لا يقبل منكم عدل ولا فداء تفتدون به وتجعلونه معادلا لما فرطتم فيه كما قال{ ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} وكانوا يعتقدون بالمكفرات تؤخذ عدلا عما فرطوا فيه وبشفاعة أنبيائهم فأخبرهم الله تعالى أنه لا يقوم مقام الاهتداء بكتابه شيء آخر ثم قطع حبل رجائهم من كل ناصر ينصرهم فقال{ ولا هم ينصرون} أي إنه لا يأتيهم نصر من هاتين الجهتين ولا من غيرهما .
وقد تقدم في تفسير الآيات الأولى ما يغني عن الإطالة هنا وليس في هذه زيادة في المعنى إلا أن التعبير قد اختلف تفننا ، ففي الآية الأولى تقدم ذكر الشفاعة منفية القبول ، وتأخر ذكر العدل غير مأخوذ ، وفي هذه الآية نفي قبول العدل أولا ثم نفي نفع الشفاعة ثانيا .وكأنه يشير بهذا التفنن إلى أنه لا فرق بين الفداء والشفاعة في الجواز والمنع فمن منع العوض في الآخر لزمه منع الشفاعة فإن جوزها جوزه .