أقام الله تعالى الحجج الدامغة على أهل الكتاب ثم ناداهم ودعاهم إلى ترك أسباب الغرور المانع من الإيمان فقال{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} وقد سبق التذكير بهذه النعمة في أو المحاجة ثم أعيد هنا للمناسبة الظاهرة ، وهي أنه بعد ما ذكر أن الإعراض عن تدبر الكتاب والتفقه فيه هو كفر به ، ذكرهم بأنه لا يليق بمن كرمه ربه وفضله على غيره من الشعوب بإيتائه الكتاب أن يكون حظه منه كحظ الحمار يحمل أسفارا .فإذا كان ابتدأ العظة والدعوة بذكر هذا التفضيل لتتوجه إليها الأنظار وتصغي إليها الأسماع كما تقدم في تفسير الآية الأولى ( 47 ) فلا غرو أن يذكر هذا التفضيل ثانيا بعد التوبيخ والتقريع ، لإزالة ما ربما يحدثه ذلك من الاستياء الذي يتوقع أن يكون من أسباب التنفير عما في الآية التالية ، وليس هذا من التكرار الذي يتحاماه البلغاء وإنما هو من إعادة الشيء لإفادة ما لا يستفاد بدونه .كأن هذه الآية تمهيد لما بعدها وهو فذلكة القصة ، والمقصود من إقامة الحجة .