/م121
قال:فجاءت الزيادة{ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائمة مسومين} الفور في الأصل فوران القدر ونحوها ثم استعير الفور للسرعة ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج من صاحبها على شيء ؛ فمعنى يأتوكم من فورهم من ساعتهم هذه بدون إبطاء .مسومين من التسويم قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو المشدّدة والباقون بفتحها .وقد ورد سوّمه الأمر بمعنى كلفه إياه وسوّم فلانا خلاه وسوّمه في ماله حكمه وصرفه ، وسوّم الخيل أرسلها .وكل هذه المعاني ظاهرة على قراءة فتح الواو من"مسومين "فيصح أن يكون المعنى أن هؤلاء الملائكة يكونون مكلفين من الله بتثبيت قلوب المؤمنين ، أو محكمين ومصرفين فيما يفعلونه في النفوس من إلهام النصر بتثبيت القلوب والربط عليها ، أو مرسلين من عنده تعالى .
وأما قراءة كسر الواو"مسوِّمين "فهي من قولهم سوّم على القوم إذا أغار عليهم ففتك بهم ولو بالإعانة المعنوية على ذلك .وقال بعض المفسرين إنه من التسويم بمعنى إظهار سيما الشيء أي علامته أي معلمين أنفسهم أو خيلهم .وهو كما ترى لولا الرواية لم يخطر على بال أحد منهم ويمكن أن يُقال مسومين للمؤمنين بما يظهر عليهم من سيما تثبيتهم إياهم .
قال ابن جرير بعد ذكر الخلاف في هذا الإمداد ما نصه: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال إن الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ثم وعدهم بعد بثلاثة الآلاف خمسة ألاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا .ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بثلاثة الآلاف ولا بخمسة الآلاف ولا على أنهم لم يمدوا بهم .وقد يجوز أن يكون الله أمدهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أن الله أمدهم ، وقد يجوز أن يكون الله لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك .ولا خبر عندنا صح من الوجه الذي يثبت أنهم أمدوا بالثلاثة الآلاف ولا بالخمسة الآلاف ، وغير جائز أن يُقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم الحجة به ، ولا خبر به فنسلم لأحد الفريقين قوله .غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة وذلك قوله:{ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [ الأنفال:9] أما في أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم لو أمدوا وذلك أنهم لو أمدوا لهم يهزموا وينل منهم ما نيل منهم "ا ه .
أقول:أما معنى هذا الإمداد بالملائكة فهو من قبيل إمداد العسكر بما يزيد عددهم أو عدتهم وقوتهم ولو النفسية وهذا هو الظاهر ، وهاك بيانه .
الإمداد من المد ، والمد في الأصل عبارة عن بسط الشيء كمد اليد والحبل أو عن الزيادة في مادته كمد النهر بنهر أو سيل آخر .قال تعالى:{ أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات} [ المؤمنون:55- 56] ؟ فالإمداد يكون بالمال وهو ما يتمول وينتفع به ويكون بالأشخاص .والإمداد بالملائكة يصح أن يكون من قبيل الإمداد بالمال الذي يزيد في قوة القوم وأن يكون من الإمداد بالأشخاص الذين ينتفع بهم ولو نفعا معنويا وذلك أن الملائكة أرواح تلابس النفوس فتمدها بالإلهامات الصالحة التي تثبتها وتقوي عزيمتها ، ولذلك قال عز وجل:{ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} .