ثم قال:{ الله لا إله إلا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء في الدار الآخرة هما الركنان الأولان للدين وإنما الرسل يبلغون الناس ما يجب من إقامتهما ودعمهما بالأعمال الصالحة ، فلا غرو أن يصرح القرآن بهما معا تارة وبالأول منهما تارة أخرى في أثناء سرد الأحكام فإن ذكرهما هو العون الأكبر والباعث الأقوى على العمل بتلك الأحكام ، وناهيك بأحكام القتال التي يبذل المؤمن فيها نفسه وماله للدفاع عن الحق والحقيقة وحرية الدين الإلهي ونشر هدايته وتأمين دعاته وأهله ، وهل يبذل العاقل نفسه إلا في مرضاة من يجزيه على ذلك ما هو أفضل من هذه الحياة الدنيا وكل ما فيها .
فالمعنى:الله لا إله إلا هو لا يعبد غيره فلا تقصروا في طاعته والخضوع لأمره فإن في طاعته شرفكم وسعادتكم ، وارتقاء أرواحكم وعقولكم ، إذ حرركم بذلك من الرق والعبودية والخضوع لأمثالكم من البشر ، بَلهَ الخضوع والذل لما دون البشر من المعبودات التي ذل لها المشركون ، وسيجعل لكم بهذا الدين ملكا عظيما ويجعلكم الوارثين ، وهل هذا كل ما عنده من الجزاء للمحسنين ؟ كلا إنه والله ليجمعنكم ويحشرنكم إلى يوم القيامة ، لا ريب في ذلك اليوم ولا فيما يكون فيه من الجزاء الأوفى على الأعمال ، فقد أكد الله تعالى خبره بالقسم وهو أقوى المؤكدات:{ ومن أصدق من الله حديثا} أي لا أحد أصدق منه عز وجل فيرجح خبره على خبره .فكلام غيره يحتمل الصدق والكذب عن عمد وعلم أو عن جهل أو سهو ، وأما كلامه تعالى فهو عن العلم المحيط بكل شيء{ لا يضل ربي ولا ينسى} [ طه:52] فلا يحتمل أن يكون خبره غير صادق لنقص في العلم ، كما لا يجوز أن يكون كذلك لغرض أو حاجة لأنه تعالى غني عن العالمين ، وقد دل إعجاز القرآن على كونه كلام الله تعالى فلم يبق عذر لمن قام عليه الدليل ، إذا آثر على قوله تعالى أقوال المخلوقين ، كما هو دأب المقلدين الضالين .