/م109
{ وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ( 111 )} أي واذكر نعمتي عليك حين ألهمت الحواريين أن يؤمنوا بك – وقد كذبك جمهور بني إسرائيل – فجعلتهم أنصارا لك يؤيدون حجتك ، وينشرون دعوتك .والوحي في أصل اللغة الإشارة السريعة الخفية ، أو الإعلام بالشيء بسرعة وخفاء ، كما بيناه من قبل .ولو وجد هذا التلغراف في عهد العرب الخلص لسموا خبره وحيا ، والمصريون يسمونه حتى في الرسميات إشارة .وأطلق الوحي في القرآن على ما يلقيه الله تعالى في نفوس الأحياء من الإلهام كقوله تعالى:{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} [ النحل:68] وقوله:{ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} [ القصص:7] وهكذا ألقى الله تعالى في قلوب الحواريين الإيمان به وبرسوله عيسى عليه السلام ، وقيل الوحي إليهم هو ما أنزل على أنبيائهم .
والحواريون جمع حواري وهو من خلص لك وأخلص سرا وجهرا في مودتك ، ومعناه في أصل اللغة الأبيض النقي اللون ، والحواريات من النساء النقيات الألوان والجلود لبياضهن ، قال في اللسان:والأعراب تسمى نساء الأمصار حواريات لبياضهن وتباعدهن من قشف الأعراب بنظافتهن ، قال:
فقلت إن الحواريات معطبة *** إذا تفتلن من تحت الجلابيب{[870]}
وأما الحور العين فهما جمع حوراء وعيناء ، من الحور ( بالتحريك ) وهو شدة بياض العين مع شدة سوادها ، فالحوراء مؤنث الأحور ، والحوارية مؤنث الحواري .ثم استعمل الحواري بمعنى النقي الخالص في غير اللون ، قال في اللسان:وقال بعضهم:الحواريون صفوة الأنبياء الذين خلصوا لهم ، قال الزجاج:الحواريون خلصان الأنبياء عليهم السلام وصفوتهم .قال:والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «الزبير ابن عمتي ، وحواري من أمتي »{[871]} أي خاصتي من أصحابي وناصري قال – وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حواريون .وتأويل الحواريين في اللغة:الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب{[872]} .اه .
واللغة لا تدل على النقاء من كل عيب بهذا التحديد ، وإنما تدل على النقاء والخلوص مطلقا ، فيكفي في صحة الإطلاق أن يكونوا قد خلصوا لنصره ، أو خلصوا ونقوا من الكفر والنفاق .وقد حكى الله عنهم هنا أنهم قالوا:آمنا .أي بالله ورسوله عيسى عليه السلام .وأشهدوا الله على أنفسهم إنهم مسلمون ، أي مخلصون في إيمانهم مذعنون لما يترتب عليه من الأمر والنهي ، وحكى عنهم في سورتي [ آل عمران] و [ الصف] أنهم حين قال المسيح «من أنصاري إلى الله » قالوا «نحن أنصار الله » .