/م44
{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ} قرأ الجمهور ( وليحكم ) بصيغة الأمر ، وهو حكاية حذف منها لفظ القول – ومثله كثير في القرآن – أي وقلنا ليحكم أهل الإنجيل بما أنزله الله فيه من الأحكام ، أي أمرناهم بالعمل به ، فهو مثل قوله في أهل التوراة{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [ المائدة:45] كذا وكذا .قرأ حمزة ( ليحكم ) بكسر اللام ، أي ولأجل أن يحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه .وجوزوا أن يكون قوله ( وهدى وموعظة ) مفعولا لأجله وعطف ( وليحكم ) عليه مع إظهار اللام لاختلاف الفاعل .وكيفما قرأت وفسرت لا تجد الآية تدل على أن الله تعالى يأمر النصارى في القرآن بالحكم بالإنجيل كما يزعم دعاة النصرانية بما يغالطون به عوام المسلمون .ولو فرضنا أنه أمرهم بذلك بعبارة أخرى لتعين أن يكون الأمر للتعجيز وإقامة الحجة عليهم ، فإنهم لا يستطيعون العمل بالإنجيل ولن يستطيعوا .وسيأتي لهذا البحث تتمة .
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي فأولئك هم الخارجون من حظيرة الدين الذين لا يعدون منه في شيء ، أو الخارجون من الطاعة له ، المتجاوزون لأحكامه وآدابه .
ومن مباحث اللفظ في الآيات أن قوله:( فأولئك هم ) الخ راجع إلى ( من ) بحسب معناها فإنها من صيغ العموم .وأما فعل ( يحكم ) فهو راجع إلى لفظها وهو مفرد .ومثل هذا كثير ، يراعى اللفظ في الأول لقربه ويراعي المعنى فيما بعده .
/خ47