{ ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( 99 )} هذا بيان لوظيفة الرسول في إثر بيان كون الجزاء بيد الله العليم بكل شيء ، وهي أن الرسول من حيث هو رسول ليس عليه إلا تبليغ رسالة من أرسله ، فهو لا يعلم جميع ما يبديه المكلفون من الأعمال والأقوال وما يكتمونه منها فيكون أهلا لحسابهم وجزائهم على أعمالهم ، وإنما يعلم ذلك الله وحده .وفيه إبطال لما عليه أهل الشرك والضلال من الخوف من معبوداتهم الباطلة والرجاء فيها ، والتماس الخلاص والنجاة من عذاب الآخرة بشفاعتها ، فهو يقول بصيغة الحصر"ما على الرسول إلا البلاغ "والبيان لدين الله وشرعه ، فبذلك تبرأ ذمته ويكون من بلغهم هم المسؤولين عند الله تعالى ، والله وحده هو الذي يعلم ما تبدون وما تكتمون من عقائدكم وأقوالكم وأفعالكم فيجازيكم عليها ، بحسب علمه المحيط بكل ذرة منها ، فيكون جزاؤه حقا وعدلا ، ويزيد المحسنين كرما منه وفضلا .{ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} [ فصلت:46] فلا تطالبوا بسعادتكم إلا أنفسكم ، ولا تخافوا عليها إلا منها .
ويؤيد تفسيرنا هذا قوله في سورة الرعد:{ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [ الرعد:40] وقوله في سورة الأنعام:{ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون * قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي .قل هل يستوي الأعمى والبصير ، أفلا تتفكرون ؟ * وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي لا شفيع لعلهم يتقون} [ الأنعام:48 – 51] .
وأما الشفاعة الواردة في الأحاديث فلا تناقض الشفاعة المنفية هنا وفي آيات أخرى – لأنها عبارة عن دعاء مستجاب يظهر الله عقبه ما سبق به علمه واقتضته حكمته بحسب ما في كتابه ، تكريما للداعي الشفيع من غير أن يكون مؤثرا في علم الله ولا في إرادته ، لأن الحادث لا يؤثر في القديم ،{ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [ الحديد:3] .
ثم إنه تعالى لما بين الجزاء وكونه منوطا بالأعمال ، أراد أن يبين ما يتعلق به الجزاء من وصف الأعمال والعاملين لها ، فأثبت وجود حقيقتين متضادتين يترتب على كل منهما ما يليق بها ، وهما حقيقة الطيب وحقيقة الخبيث فقال:{ قل لا يستوي الخبيث والطيب}