{ اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم 98 ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون 99 قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون100}
أرشدنا جل شأنه في الآية التي قبل هذه إلى بعض آيات علمه في خلقه وأمره ، وأرشدنا في هذه إلى العلم بأن العليم بكل شيء ، الذي ظهرت آيات علمه وحكمته في خلق السموات والأرض ، كما ظهرت في جعل البيت الحرام قياما للناس – لا يمكن أن يترك الناس سدى ، كما أنه لم يخلقهم عبثا ، فلا يليق بحكمته وعدله أن يجعل الذين اجترحوا السيئات ، كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولا يسوي بين الطيب والخبيث كالمؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والمصلح والمفسد ، والمظلوم والظالم ، فلا بد إذا من الجزاء بالحق ، ولا يملك الجزاء إلا من يقدر على العقاب الشديد ، وعلى المغفرة والرحمة .
لذلك قال:{ اعلموا أن الله شديد العقاب} لمن دسى نفسه بالشرك والفسوق والعصيان{ وأن الله غفور رحيم ( 98 )} لمن زكى نفسه بالأعمال الصالحة مع التوحيد والإيمان ، فلا يؤاخذه بما سلف قبل الإيمان ، ولا بما يعلمه من السوء بجهالة إذا بادر إلى التوبة والإصلاح .ولا باللمم ، إذا اجتنب كبائر الإثم والفواحش .بل يستر ذنبه ويمحوه ، فيضمحل في إيمانه وعلمه الصالح ، كما يستر القذر القليل ، ويضمحل بما يغمره من الماء الكثير ، ويخصه فوق ذلك برحمة منه ورضوان .
فالآية متضمنة للترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، فهي وعيد لمن كفر وتولى عن العمل بكتاب الله ، ووعد لمن آمن به وعمل الصالحات .وقد تقدم تفسير المغفرة والرحمة في كثير من الآيات .ولعل في تقديم ذكر العقاب وتأخير ذكر المغفرة والرحمة إشارة إلى أن العقاب قد ينتهي بالمغفرة والرحمة فلا يدوم ، لأن رحمته تعالى سبقت غضبه{[859]} كما ثبت في الصحيح ، ولذلك يغفر كثيرا من ظلم الناس لأنفسهم ( ويعفو عن كثير ) وأعاد اسم الجلالة في مقام الإضمار للدلالة على أن مغفرته ورحمته ثابتتان له بالأصالة .