{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} حاصل ما أنكر الله تعالى على مشركي العرب في هذا السياق يرجع إلى الأمرين الفظيعين اللذين نعتهما عليهم هذه الآية وحكمت عليهم فيهما حكما حقا وعدلا وهو أنهم خسروا بقتل أوالدهم وبوأد البنات الآتي بيانه وغيره خسرانا عظيما دل عليه حذف مفعول خسروا الدال على العموم في بابه ليتروى السامع فيه ، ويتأمل ما وراء قوادمه من خوافيه ، وذلك أن خسران الأولاد يستلزم خسران كل ما كان يرجى من فوائدهم من العزة والنصرة ، والبر والصلة والفخر والزينة ، والسرور والغبطة ، كما يستلزم خسران الوالد القاتل لعاطفة الأبوة ورأفتها وما يتبع ذلك من القسوة والغلظة والشراسة وغير ذلك من مساوي الأخلاق التي يضيق بها العيش في الدنيا ويترتب عليها العقاب في الآخرة .ولذلك علل هذا الجرم بسفه النفس وهو اضطرابها وحماقتها ، وبالجهل أي عدم العلم بما ينفع ويضر وما يحسن ويقبح .
ثم بين بعد هذا أنهم حرموا ما رزقهم الله من الطيبات وهذا سفه وجهل أيضا ولكنه دون ما سبقه من هذه الجهة ، ولذلك اقتصر على تعليله بشر ما فيه من القبح وهو الافتراء على الله بجعله دينا يتقرب به إليه .ثم بين نتيجة الأمرين بأنهم قد ضلوا فيهما وما كانوا مهتدين إلى شيء من الحق والصواب من طريق العقل ولا من طريق الشرع ولا من منافع الدنيا ولا من سعادة الآخرة ، فهذه الأعمال أقبح ما كانت عليه العرب من غواية الشرك ، وقد عاد إلى المسلمين شيء منه بتحريم ما لم يحرم الله وجعله دينا وهم لا يشعرون .
أخرج البخاري{[1025]} وغيره عن ابن عابس قال:إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام:{ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها} إلى قوله{ وما كانوا مهتدين} وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال:نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة .كان الرجل يشترط على امرأته أنك تئدين جارية ( أي بنتا ) وتستحيين ( أي تبقين ) أخرى فإذا كانت الجارية التي توأد غدا من عند أهله أو راح وقال أنت علي كأمي ( أي محرمة ) إن رجعت إليك ولم تئديها ، فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن فإذا بصرن به مقبلا دسسنها في حفرتها ويسوين عليها التراب أي وهي حية وهذا هو الوأد .وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال:هذا صنع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويغذو كلبه .