/م12
{ من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ( 16 )} أي من يصرف ويحول عن ذلك العذاب في ذلك اليوم العظيم حتى يكون بمعزل عنه ، أو من يصرف عنه ذلك العذاب في ذلك اليوم – فقد رحمه الله بإنجائه من الهول الأكبر ، وبما وراء النجاة من دخول الجنة ، لأن من لا يعذب يومئذ يكون منعما حتما .وذلك الجمع بين النجاة من العذاب والتمتع بالنعيم في دار البقاء هو الفوز المبين الظاهر .وقد حققنا في تفسير آخر السورة السابقة ( المائدة ) أن الفوز إنما يكون بمجموع الأمرين السلبي والإيجابي ، ولا ينافي ذلك ما قيل في أهل الأعراف على ما يأتي تحقيقه في سورتها .وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( من يَصرف عنه ) بالبناء للفاعل ، أي من يصرفه الله عنه أي عن العذاب الخل ويؤيدها قراءة أبي ( من يصرف الله ) بإظهار الفاعل وحذف المفعول ، ولعله قال ذلك بقصد التفسير .ولا يمنعنا من الجزم بذلك إلا أن يصح أنه كتب اسم الجلالة في مصحفه .
وقد استدلت الأشعرية بالآية على أن الطاعة لا توجب الثواب والمعصية لا توجب العقاب ، لأنها ناطقة بأن ذلك من رحمة الله تعالى وفعل الواجب لا يسمى رحمة ، وضربوا لذلك الأمثال في أفعال البشر .والحق أن من أفعال الرحمة البشرية ما هو واجب ومن الواجب على الناس ما هو رحمة أي واجب لأنه رحمة ، وأما الخالق عز وجل فلا يوجب عليه أحد شيئا إذ لا سلطان فوق سلطانه ، وله أن يوجب على نفسه ما شاء ، وقد كتب على نفسه الرحمة أي أوجبها كما نص عليه كتابه في هذا السياق .فهذه كتابة مطلقة ، وسيأتي في سورة الأعراف كتابتها للمتقين المزكين من مؤمني هذه الأمة .ولو لم يكتب الرب على نفسه الرحمة لجاز أن لا يرحم أحدا وأن لا يكون رحيما بخلقه ، وإذا أجاز بعض المتكلمين هذا فكتاب الله لا يجيزه ولما بين سبحانه أن صرف العذاب والفوز بالنعيم بعده من رحمته في الآخرة بين أن الأمر كذلك في الدنيا وأن التصرف فيه لله الولي الحميد وحده فقال .