/م95
{ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا} هذه الآية المنزلة مرشدة إلى نوع آخر من آيات التكوين وهو إيجاد الماء ، وإنزاله من السماء ، وجعله سببا للنبات ، وجعل النبات المسبب عنه أنواعا كثيرة ، مشتبهة وغير متشابهة ، وبذلك يلتقي آخر هذه السياق بأوله .أي وهو الذي أنزل من السحاب ماء فأخرجنا بسبب هذا الماء الواحد نبات كل شيء من أصناف هذا النامي الذي يخرج من الأرض فأخرجنا منه أي من النبات خضرا أي شيئا غضا أخضر بالخلقة لا بالصناعة وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحب كساق النجم وأغصان الشجر ، نخرج منه أي من هذا الأخضر المتشعب من النبات آنا بعد آن حبا متراكبا بعضه فوق بعض وهو السنبل- فهذا تفصيل لنماء النجم الذي لا ساق له من النبات ونتاجه ، وعطف عليه حال نظيره من الشجر فقال:
{ ومن النخل من طلعها قنوان دانية} النخل الشجر الذي ينتج التمر يستعمل لفظه في المفرد والجمع وجمعه نخيل .و « من طلعها » بدل مما قبله ، وطلعها أول ما يطلع أي يظهر من زهرها الذي يكون منه ثمرها وقبل أن ينشق عنه كافوره أي وعاؤه ، وما ينشق عنه الكافور من الطلع يسمى الغريض والإغريض ، والقنوان جمع قنو ( بالكسر ) وهو العذق الذي يكون فيه الثمر ، ومثله في وزنه واستواء مثناه وجمعه الصنو والصنوان وهو ما يخرج من أصل الشجرة من الفروع .والقنوان من النخل كالعناقد من العنب والسنابل من القمح .والمعنى أنه يخرج من طلع النخل قنوان دانية القطوف سهلة التناول أو بعضها دان قريب من بعض لكثرة حملها .
{ وجنات من أعناب} قرأ الجمهور « جنات » بالنصب وتقدير الكلام:ونخرج منه أي من ذلك الخضر- جنات من أعناب .وقرأها أبو بكر عن عاصم بالرفع وهو المروي عن علي المرتضى وابن مسعود والأعمش وغيرهم وتقدير الكلام:ولكم جنات من أعناب- أو- وهناك جنات- أو- ومن الكرم جنات الخ وسنبين حكمة اختلاف الإعراب بعد{ والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه} أي وأخص من نبات كل شيء الزيتون والرمان حال كونه مشتبها في بعض الصفات غير متشابه في بعض آخر ، قيل إن هذه الحال من الرمان وحده فإنه أنواع تشتبه في شكل الورق والثمر وتختلف في لون الثمر وطعمه ، فمنه الحلو والحامض والمر .وقيل إن الحال من مجموع الزيتون والرمان أي مشتبها ما ذكر منهما في شكل ورق الشجر ، وغير متشابه في الثمر- أو المعنى كل منهما مشتبه وغير متشابه وذلك ظاهر مما قبله .وصرحوا بأن المشتبه والمتشابه هنا بمعنى إذ يقال اشتبه الأمران وتشابها كما يقال استويا وتساويا .وقد قرئ في الشواذ متشابها وغير متشابه وهو ما أجمعوا عليه في آية{ وهو الذي أنشأ جنات معروشات} [ الأنعام:141] الخ وسيأتي ، والحق أن بين الصيغتين فرقا فمعنى اشتبها التبس أحدهما بالآخر من شدة الشبه بينهما ، ومعنى تشابها أشبه أحدهما الآخر ولو في بعض الوجوه والصفات فهذا أعم مما قبله .ولا شك في أن بعض ما ذكر يتشابه ولا يشتبه وبعضه حتى يشتبه حتى على البستاني الماهر ، كما شاهدنا ذلك واختبرناه في بعض أنواع الرمان الحلو مع الحامض ، وهذا دقة تعبير التنزيل في تحديد الحقائق .
{ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} أي انظروا نظر تأمل واعتبار إلى ثمر ما ذكر إذا هو تلبس واتصف بالأثمار ، وإلى ينعه عندما يينع ، أي يبدو صلاحه وينضج ، وتأملوا صفاته في كل من الحالين وما بينهما ، يظهر لكم من لطف الله وتدبيره ، وحكمته في تقديره ، ما يدل أوضح الدلالة على وجوب توحيده{ إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ( 99 )} أي في ذلكم الذي أمرتم بالنظر إليه والنظر فيه دلائل عظيمة أو كثيرة للمستعدين للاستدلال من المؤمنين بالفعل والمستعدين للإيمان ، وأما غيرهم فإن نظرهم كنظر الطفل وإن كانوا من العالمين بأسرار عالم النبات ، والغواصين على ما فيه من المحاسن والنظام .لا يتجاوز هذه الظواهر ، ولا يعبرها إلى ما تدل عليه من وجود الخالق ، ومن إثبات صفاته التي تتجلى فيها ، ووحدته التي ينتهي النظام إليها ، وإن كانوا يعلمون أن وحدة النظام في الأشياء المختلفة ، لا يمكن أن تصدر عن إرادات متعددة .
/خ99