/م44
{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} من الزاد والراحلة وغير ذلك مما يعد لمثل هذا السفر البعيد ، وكانوا مستطيعين لذلك ولم يفعلوا ، كما دلت عليه الآية .
{ ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} الانبعاث مطاوع البعث ، وهو إثارة الإنسان أو الحيوان وتوجيهه إلى الشيء بقوة ونشاط كبعث الرسل ، أو إزعاج كبعثت البعير فانبعث ، وبعث الله الموتى .والتثبيط التعويق عن الأمر والمنع منه بالتكسيل أو التخذيل ، ولم ترد في التنزيل إلا في هذه الآية .والمعنى كره الله نفرهم وخروجهم مع المؤمنين لما سيذكر من ضرره العائق عما أحبه وقدره من نصره ، فثبطهم بما أحدث في قلوبهم من الخواطر والمخاوف التي هي مقتضى سنته في تأثير النفاق ، فلم يعدوا للخروج عدته لأنهم لم يريدوه ، وإنما أرادوا بالاستئذان ستر ما عزموا عليه من العصيان .
{ وقيل اقعدوا مع القاعدين} في هذا القيل وجوه:
أحدها:أنه تمثيل لداعية القعود التي هي أثر التثبيط ، وفي معناه أنه أمر قدري تكويني لا خطاب كلامي .
والثاني:أنه قول الشيطان بالوسوسة .
والثالث:أنه قول بعضهم لبعض .
والرابع:أنه حكاية لإذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، وأنه قاله بعبارة تدل على السخط لا على الرضاء ، إذ معناه اقعدوا مع الأطفال والزمنى والعجزة والنساء ، فأخذوه على ظاهره لموافقته لمرادهم .
ويحتج المجبرة ومنهم الأشعرية على المعتزلة بهذه الآية ، ويتأولها هؤلاء بأنها لا تنافي وجوب مراعاة المصالح وتحسين العقل وتقبيحه ، ومذهبنا في أمثالها أنها بيان لسنة الله تعالى في ترتيب الأعمال الاختيارية ، على ما يبعث عليها من العقائد والصفات النفسية ، وموافقة ذلك هنا لحكمته وعنايته تعالى بأمر المؤمنين ، وذلك توفيق أقدار لأقدار ، في ضمن دائرة الاختيار ، فلا جبر ولا اضطرار للعبد ، ولا وجوب على الرب ، فالحكمة والرحمة وما في شرعه من موافقة المصالح ودرء المفاسد مما يجب له ، ولا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه وكتبه على نفسه كالرحمة .