/م7
فقال:
{ كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} هذا الاستفهام للإنكار المشرب لمعنى التعجب ، والخطاب للمؤمنين الذين رسخ خلق الوفاء في قلوبهم ، وكان بعضهم عرضة لقبول كلام المنافقين في إنكار النبذ ، والمعنى:بأية صفة وأية كيفية يثبت للمشركين عهد من العهود عند الله يقره لهم في كتابه وعند رسوله صلى الله عليه وسلم يفي لهم له وتفون به اتباعا له وحالهم الذي بينته الآية التالية تأبى ثبوت ذلك لهم ؟
{ إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} استثنى تعالى هؤلاء قبل أن يبين وجه انتفاء ثبوت العهد لغيرهم بأية صفة تثبت بها العهود بين الناس ، وهم الذين استثناهم في الآية الرابعة ، وقد تقدم ذكر الخلاف فيهم في تفسيرها ، وزاد هنا{ عند المسجد الحرام} أي بجواره في الحديبية ، وهو مما يقتضي تأكيد الوفاء بذلك بشروطه المبينة هناك وهنا .
وقد ذكر أبو جعفر بن جرير الروايات المختلفة في تفسير هذه الآية ، ومنها قول ابن إسحاق{ كيف يكون للمشركين} الذين كانوا وأنتم على العهد العام ، بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم ولا في الشهر الحرام .
{ عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وهي قبائل بني بكر الذين كانوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الديل من بكر ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكر إلى مدته .
ثم قال أبو جعفر:وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال:هم بعض بني بكر من كنانة ممن كان أقام على عهده ، ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية من العهد مع قريش .وإنما قلت:إن هذا القول أولى الأقوال بالصواب ؛ لأن الله أمر نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام ما استقاموا على عهدهم .وقد بينا أن هذه الآيات إنما نادى بها علي في سنة تسع من الهجرة وذلك بعد فتح مكة بسنة ، فلم يكن بمكة من قريش ولا من خزاعة كافر يومئذ بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده ؛ لأن من كان منهم من ساكني مكة كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات اه وهو رد للرواية التي تقدمت عن ابن عباس .
{ فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي فمهما يستقم لكم هؤلاء فاستقيموا لهم ، أو فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، إذ لا يجوز أن يكون الغدر ونقض العهد من قبلكم .
{ إن الله يحب المتقين} الذين يجتنبون قطع ما أمر الله به أن يوصل وغير ذلك من محارمه ومن أعظمها الغدر ونقض العهود كما تقدم في تفسير الآية الرابعة ، فالظاهر الذي جرى عليه المفسرون أن هؤلاء المعاهدين المذكورين هم المذكورون هنالك ، وإنما أعيد ذكر استثنائهم لتأكيده بشرطه المتضمن لبيان السبب الموجب للوفاء بالعهد وهو أن تكون الاستقامة عليه مرعية من كل واحد من الطرفين المتعاقدين إلى نهاية مدته ، وهذا زائد على ما هنالك من وصفهم بأنهم لم ينقصوا من شروط العهد شيئا ، ولم يظاهروا على المسلمين أحدا ، وتمهيد لبيان استباحة نبذ عهود الذين لا يستقيمون للمعاهد لهم إلا عند العجز عن الغدر ، حتى إذا ما قدروا عليه نقضوا عهدهم أو نقصوا منه كما فعلت قريش في نقض عهد الحديبية بمظاهرتهم لحلفائهم من بني بكر على خزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقوله تعالى:{ إلا الذين عاهدتم} إلى آخر الآية اعتراض بين قوله تعالى:{ كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} وقوله المفسر له:{ كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ( 8 )}