لما رجعت المرأتان سراعا بالغنم إلى أبيهما ، أنكر حالهما ومجيئهما سريعا ، فسألهما عن خبرهما ، فقصتا عليه ما فعل موسى ، عليه السلام . فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها قال الله تعالى:( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) أي:مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، أنه قال:كانت مستترة بكم درعها .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا [ أبي ، حدثنا] أبو نعيم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمر بن ميمون قال:قال عمر رضي الله عنه:جاءت تمشي على استحياء ، قائلة بثوبها على وجهها ، ليست بسلفع خراجة ولاجة . هذا إسناد صحيح .
قال الجوهري:السلفع من الرجال:الجسور ، ومن النساء:الجريئة السليطة ، ومن النوق:الشديدة .
( قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ، وهذا تأدب في العبارة ، لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة ، بل قالت:( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) يعني:ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا ، ( فلما جاءه وقص عليه القصص ) أي:ذكر له ما كان من أمره ، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده ، ( قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) . يقول:طب نفسا وقر عينا ، فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا . ولهذا قال:( نجوت من القوم الظالمين ) .
وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل:من هو ؟ على أقوال:أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين . وهذا هو المشهور عند كثيرين ، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد . ورواه ابن أبي حاتم .
حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا مالك بن أنس ; أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص قال:( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) .
وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له:"مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى ، هديت ".
وقال آخرون:بل كان ابن أخي شعيب . وقيل:رجل مؤمن من قوم شعيب . وقال آخرون:كان شعيب قبل زمان موسى ، عليه السلام ، بمدة طويلة ; لأنه قال لقومه:( وما قوم لوط منكم ببعيد ) [ هود:95] . وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل ، عليه السلام بنص القرآن ، وقد علم أنه كان بين موسى والخليل ، عليهما السلام ، مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة ، كما ذكره غير واحد . وما قيل:إن شعيبا عاش مدة طويلة ، إنما هو - والله أعلم - احتراز من هذا الإشكال ، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا . وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده ، كما سنذكره قريبا إن شاء الله . ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه:"ثبرون "، والله أعلم .
وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود:وأثرون وهو ابن أخي شعيب عليه السلام .
وعن أبي حمزة عن ابن عباس:الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين . رواه ابن جرير ، ثم قال:الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر ، ولا خبر تجب به الحجة في ذلك .