وبداية هذا الفصل عندما جاءته إحدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب: رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ،فقصتا عليه الخبر ،فأرسل خلفه ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) فلم تزد على أن ( قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) .
فلمع في قلبه إشراقٌ من الأمل ،وكأنّه أحس بأنّ واقعة مهمّة تنتظره وسيواجه رجلا كبيراً !..رجلا عارفاً بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه ،هذا الرجل ينبغي أن يكون انساناً نموذجياً ورجلا سماوياً وإلهيّاً ..ربّاه ..ما أروعها من فرصة .
أجل ،لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب » النّبي الذي كان يدعو الناس لسنين طوال نحو الله ،كان مثلا لمن يعرف الحق ويطلب الحق ،واليوم إذ تعود بنتاه بسرعة يبحث عن السبب ،وحين يعرف الأمر يقرر أن يؤدي ما عليه من الحق لهذا الشاب كائناً من كان .
تحرك موسى( عليه السلام ) ووصل منزل شعيب ،وطبقاً لبعض الروايات ،فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ،إلاّ أن الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ،ولكن موسى لما عنده من عفة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ،فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب{[3055]}:
دخل موسى( عليه السلام ) منزل شعيب( عليه السلام ) ،المنزل الذي يسطع منه نور النبوّة ..وتشع فيه الروحانية من كل مكان ..وإذا شيخ وقور يجلس ناحيةً من المنزل يرحب بقدوم موسى( عليه السلام ) ،ويسأله:
من أين جئت ؟!وما عملك ؟!وما تصنع في هذه المدينة .وما مرادك وهدفك هنا ؟!
ولِمَ أراك وحيداً ؟!
وأسئلة من هذا القبيل ..
يقول القرآن في هذا الصدد: ( فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) فأرضنا بعيدة عن سيطرتهم وسطوتهم ولا تصل أيديهم إلينا ،فلا تقلق ولا تشعر نفسك الوحشة ،فأنت في مكان آمن ولا تفكر بالغربة ،فكل شيء بلطف الله سيتيسر لك !..
فالتفت موسى إلى أنّه وجد استاذاً عظيماً ..تنبع من جوانبه عيون العلم والمعرفة والتقوى ،وتغمر وجوده الروحانيّة ..ويمكن أن يروي ظمأه منه .
كما أحسّ شعيب أنّه عثر على تلميذ جدير ولائق ،وفيه استعداد لأن يتلقى علومه وينقل إليه تجارب العمر !
أجل ..كما أن موسى شعر باللذة حين وجد أستاذاً عظيماً ..كذلك أحس شعيب بالفرح والسرور حين عثر على تلميذ مثل موسى .
/خ25