ثم قال تعالى:( فإن حاجوك ) أي:جادلوك في التوحيد ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) أي:فقل أخلصت عبادتي لله وحده ، لا شريك له ولا ند [ له] ولا ولد ولا صاحبة له ( ومن اتبعن ) على ديني ، يقول كمقالتي ، كما قال تعالى:( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [ وسبحان الله وما أنا من المشركين] ) [ يوسف:108] .
ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه ، والدخول في شرعه وما بعثه الله به الكتابيين من الملتين والأميين من المشركين فقال:( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) أي:والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم ، وهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وله الحكمة في ذلك ، والحجة البالغة ، ولهذا قال:( والله بصير بالعباد ) أي:هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة ، وهو الذي ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء:33] وما ذاك إلا لحكمته ورحمته .
وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، إلى جميع الخلق ، كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث ، فمن ذلك قوله تعالى:( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف:158] وقال تعالى:( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان:1] وفي الصحيحين وغيرهما ، مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة ، أنه بعث كتبه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ملوك الآفاق ، وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم ، امتثالا لأمر الله له بذلك . وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار "رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم:"بعثت إلى الأحمر والأسود "وقال:"كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ". وقال الإمام أحمد:حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس ، رضي الله عنه:أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه ، فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا فلان ، قل:لا إله إلا الله "فنظر إلى أبيه ، فسكت أبوه ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه:أطع أبا القاسم ، فقال الغلام:أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"الحمد لله الذي أخرجه بي من النار "أخرجه البخاري في الصحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .