{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} .إن الدين هو الإسلام ،هذا هو الذي ينبغي أن يعلنه النبي على الناس كافة ،لأن ذلك هو سبيل الانفتاح الواعي على الحق الآتي من الله ،في مواقع الجدال والنزاع ،وهذا ما أراد الله لنبيه أن يعلنه لكل من يحاجه .فقد أسلم وجهه لله ،من خلال إسلامه الروحي والعملي ،كما أسلم أتباعه وجههم لله من خلال التزامهم بخط الرسالة والرسول ،الذي هداهم إلى العقيدة الحقة والخط الصحيح .
وفي ضوء ذلك ،تنطلق الدعوة إلى الحوار العلمي الموضوعي الذي يرتكز على الحجة والبرهان لكل الذين يختلفون مع المسلمين في الدين أو في الرأي في أيّ جانب من جوانب وعي الحقيقة المتحركة في الحياة من دون أية عقدةٍ ذاتيةٍ أو مشكلةٍ نفسيةٍ ،لأن المسألة عندهم هو أنهم أسلموا وجوههم لله ،فهو الذي يتوجهون إليه بعقولهم لتكتشف من خلال هدايته الحقيقة كل الحقيقة في قضايا العقيدة والحياة .
وتبقى القضية أن على الآخرين الاستجابة لهذه الدعوة الإنسانية الحضارية الحوارية من أجل الانطلاق نحو الموقف الواحد على أساس العقل الواعي والفكر الصحيح ،وهذا هو المنطق الذي أراد الله لنبيِّه وللمسلمين من أتباعه أن يخاطبوا به أهل الكتاب ليقودوهم إلى إسلام وجوههم لله ،كما أسلم النبي ومن اتبعه وجوههم له ،ليلتقي الجميع على الإسلام الذي يمثل روحية البحث عن الحقيقة من خلال الفكر والحوار .
{وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ} هم المشركون ،لأنهم لم يملكوا كتاباً سماوياً حتى يكون حافزاً لهم على تعلم القراءة والكتابةكما قيل.قل لهم ،ممّا تثيره أمامهم من البينات والحجج على أحقيّة الرسالة:{ءَأَسْلَمْتُمْ} ؟فإذا استجابوا لك في طريقة الحوار الخالي من التعقيد والتعصب ،وفي مواجهتهم للحقائق بروح منفتحة خاشعة لله ولآياته ،فقد اهتدوا إلى الجوّ الطاهر الذي يهديهم إلى الحق في اتباع سبيلك في ما بُلِّغت وفي ما هديت ،{فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ} وأعرضوا وانطلقوا يكيدون لك في خط العناد والاستكبار ،فلا تحزن ولا تتعقد
{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبلاغُ} وتلك هي مسؤوليتك التي قمت بها خير قيام ،وعلينا الحساب ،فليست مسؤوليتك أن تحاسبهم أو تعاقبهم ،فقد أديت ما عليك من واجب الإبلاغ والإنذار وانتهت مهمتك عند هذا الحدّ من خلال صفتك كرسول يبلغ رسالة الله{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} ويبقى لله أن يواجههم بنتائج أعمالهم ،فإنه بصير بعباده في كل شيء .
وقد نستوحي من ذلك كيف نواجه بعض الفئات التي ندخل معها في قضايا الحوار ،فإن من الضروري لنا أن نواجه الموقففي داخل وجداننامن موقع الإسلام لله ،الذي يجعل الإنسان يتقدم إلى الحوار من خلال الروح الطيبة النظيفة التي أسلمت فكرها لله ،لا من خلال الأفق الضيق الذي يقوده التعصب الأعمى ،فإننا نلاحظفي هذا المجالأن الدعاة إلى الله ،قد يتحركون من موقع العقدة الذاتية ضد خصومهم ،فيمارسون بعض الأساليب التي لا تتفق مع خط الإيمان وأسلوبه العملي في الحوار ،فيسيئون إلى الفكرة من حيث يخيّل إليهم أنهم يحسنون صنعاً ،ولذلك ،فلا بد لهم من أن يرتفعوا إلى مستوى هذا الأسلوب الذي يعلن فيه الرسول إسلامه لله ،من موقع الحاجة إلى تأكيد هذا الإسلام في العقيدة والموقف والحوار .ثم يبدأ الحوار من هذه القاعدة ،ليثير السؤال أمامهم عن وصولهم إلى القناعة التي تقودهم إلى إسلام الوجه والقلب واللسان والعمل لله ،ويحاول أن يقدم لهم كل الوسائل التي تقودهم إلى ذلك ،فإن لم يهتدوا بعد استنفاد كل الأساليب ،فلا مجال للتعقيد والانفعال واللجوء إلى السباب وغيره من الأشياء التي تعبّر عما في الذات من الحالات الانفعالية ،بل على الإنسان أن ينسحب بكل هدوء ويترك الآخرين لضلالهم بعد أن أقام عليهم الحجة ،فقد أدّى واجبه ،لأن خطّ الدعوة إلى الله يتمثل في إقناع الآخرين بالحق ،أو في إقامة الحجة عليهم ،فإذا بلغ إلى أحدهما ،فقد انتهت مهمته ،{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} .