فقوله تعالى:{ فإن حاجوك} يعني به أهل الكتاب أو عام أي فإن جادلوك بعد أن جئتهم بالحق اليقين ، وأقمت عليه البينات والبراهين ، ودمغت الباطل ، بالآيات والدلائل ،{ فقل أسلمت وجهي{[305]} لله ومن اتبعن} أي أقبلت عليه بعبادتي مخلصا له معرضا هما سواه أنا ومن اتبعني من المؤمنين .
قرأ نافع والبصري ( اتبعني ) بالياء في الوصل خاصة والباقون بحذفها وصلا ووقفا .قال الأستاذ الإمام:كأنه يقول إن من يقصد إلى الحجاج بعد تأييد الحق وتفنيد الباطل لا يقصد إلا إلى المجادلة والمشاغبة لمحض العناد والمشاكسة ، وذلك شأن المبطلين .وأما طالب الحق فإنه يبخل بالوقت أن يضيع سدى .{ وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين} أي لليهود والنصارى ومشركي العرب وكانوا ينسبون إلى الأم لجهلهم كما تقدم في تفسير سورة البقرة وخص هؤلاء بالذكروالبعثة عامةلأنهم هم الذين خاطبهم الرسول بالدعوة بلا واسطة{ ءأسلمتم}{[306]} كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة أم لا ؟ قال البيضاوي ونظيره قوله: "فهل أنتم منتهون "وفيه تعيير لهم بالبلادة أو المعاندة اه .
وقال الأستاذ الإمام:الاستفهام للتقريع والمراد بالإسلام روح الدين الذي نزل به الكتاب ومقصده ، يعني أنه ليس لهم إلا الرسوم منه{ فإن أسلموا} هذا الإسلام{ فقد اهتدوا} قال الأستاذ الإمام:لأن هذا هو روح الدين فمن أصابه فهو على هداية من هذا الوجه فإن غشيه مع ذلك شيء من الباطل الصوري فهو لا يلبث أن يزول متى ظهر له الدليل على بطلانه .ولذلك كان إسلامهم هذا لا بد من أن يستتبع اتباعك فيما جئت به ، لأن من كان كذلك فهو نير القلب متوجه دائما إلى طلب الحق ، فهو أقرب الناس إلى قبوله متى جاءه وظهر له{ وإن تولوا} معرضين عن الاعتراف بما سألت عنه ، لعلمهم أنهم ليسوا منه ،{ فإنما عليك البلاغ} لحقيقة الإسلام ، وما أمرت به من الأحكام ،{ والله بصير بالعباد} فهو أعلم بمن طمس قلبه فارتكس في شقائه ، ووقع اليأس من اهتدائه ، ومن يرجى له بتوفيق الله من بعد ما لا يرجى له اليوم .أقول:ومثل هذه الآية نص قاطع في حصر وظيفة الرسول بالبلاغ عن الله وأنه ليس مسيطرا على الناس ، ولا جبارا ولا مكرها لهم على الإسلام .وقد صرحت آيات أخرى بمفهوم الحصر في التبليغ يعرف مواقعها حفاظ القرآن والمكثرون من تلاوته .