هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم ، عليها السلام ، عن أمر الله لهم بذلك:أن الله قد اصطفاها ، أي:اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهرها من الأكدار والوسواس واصطفاها ثانيا مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين .
قال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب في قوله:( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) قال:كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ، ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط ". لم يخرجوه من هذا الوجه ، سوى مسلم فإنه رواه عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق به .
وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد ". أخرجاه في الصحيحين ، من حديث هشام ، به مثله .
وقال الترمذي:حدثنا أبو بكر بن زنجويه ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون . "تفرد به الترمذي وصححه .
وقال عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه قال:كان ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خير نساء العالمين أربع ، مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] رواه ابن مردويه .
وروى ابن مردويه من طريق شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث:مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".
وقال ابن جرير:حدثني المثنى ، حدثنا آدم العسقلاني ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة ، سمعت مرة الهمداني بحديث عن أبي موسى الأشعري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ". وقد أخرجه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن شعبة به ولفظ البخاري:"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".
وقد استقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في قصة عيسى ابن مريم عليهما السلام ، في كتابنا "البداية والنهاية "ولله الحمد والمنة .
ثم أخبر تعالى عن الملائكة:أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع والخضوع والسجود والركوع والدءوب في العمل لها ، لما يريد الله [ تعالى] بها من الأمر الذي قدره وقضاه ، مما فيه محنة لها ورفعة في الدارين ، بما أظهر الله تعالى فيها من قدرته العظيمة ، حيث خلق منها ولدا من غير أب ، فقال تعالى: